ومن هؤلاء حَبْرُ اليهود عبدُ الله بن سلام الذي أسلم على يد النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقد وفد على النبي في يوم هجرته ومقدمه المدينة، يقول: فجئت في الناس لأنظر إليه.
فلما استثبتُ وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عرفت أن وجهَه ليس بوجه كذاب، وكان أول شيء تكلم به - صلى الله عليه وسلم - أن قال: ((أيها الناس، أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلّوا والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام)). (1)
قال السندي: " قوله: (عرَفْت أن وجهه ليس بوجه كذاب) لما لاح عليه من سواطع أنوار النبوة، وإذا كان أهل الصلاح والصلاة في الليل يُعرَفون بوجوههم .. فكيف هو، وهو سيدهم صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله؟ ". (2)
وفي البخاري أن ابن سلام أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فجلس بين يديه، وقال: إني سائلك عن ثلاث، لا يعلمهن إلا نبي: ما أول أشراط الساعة؟ وما أول طعام يأكله أهل الجنة؟ ومن أي شيء ينزع الولد إلى أبيه؟ ومن أي شيء ينزع إلى أخواله؟
فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((خبَّرني بهن آنِفاً جبريلُ .. أما أول أشراط الساعة فنار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب، وأما أول طعام يأكله أهل الجنة فزيادة كبد حوت، وأما الشبه في الولد، فإن الرجل إذا غشي المرأة، فسبقها ماؤه كان الشبه له، وإذا سبق ماؤها كان الشبه لها)). قال: أشهد أنك رسول الله.
ثم قال ابن سلام: يا رسول الله، إن اليهود قوم بُهْت، إن علموا بإسلامي قبل أن تسألهم بهتوني عندك، فجاءت اليهود، ودخل عبد الله البيت فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لليهود: أي رجل فيكم عبد الله بن سلام؟ قالوا: أعلمُنا وابنُ أعلمِنا، وأخيَرِنا وابنُ أخْيَرنا.
فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أفرأيتم إن أسلم عبد الله؟)) قالوا: أعاذه الله من ذلك. فخرج عبد الله إليهم، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسولُ الله.
فقالوا: شرُّنا وابنُ شرنا، ووقعوا فيه. (3)
(1) رواه الترمذي ح (2485)، ابن ماجه ح (1234)، وأحمد في المسند ح (23272)، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه ح (1097).
(2) شرح سنن ابن ماجه (2/ 231).
(3) رواه البخاري ح (3329).