وبُعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأقام بمكة ما أقام، لا أسمع له بذكر مع ما أنا فيه من شغل الرق، ثم هاجر إلى المدينة، فوالله إني لفي رأس عَذْقٍ لسيدي أعمل فيه بعض العمل وسيدي جالس تحتي؛ إذ أقبل ابنُ عمٍ له، حتى وقف عليه، فقال: يا فلان قاتل الله بني قَيْلة [وهو اسم جدة للأنصار يُنسبون إليها] والله إنهم الآن لمجتمعون معنا على رجل قدم عليهم من مكة اليوم يزعمون أنه نبي.
فلما سمعتُها أخذتني العُرَواء [أي الرِعدة] حتى ظننت أني ساقط على سيدي، فنزلت عن النخلة، فجعلتُ أقول لابن عمه ذلك: ما تقول؟ فغضب سيدي، فلكمني لكمة شديدة، ثم قال: مالك ولهذا؟ أقبِل على عملك! فقلت: لا شيء إنما أردت أن أستثبته عما قال.
وقد كان عندي شيء جمعتُه، فلما أمسيت أخذتُه، ثم ذهبت به إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو بقباء، فدخلت عليه، فقلت له: إنه قد بلغني أنك رجل صالح ومعك أصحاب لك غرباء ذوو حاجة، وهذا شيء كان عندي للصدقة، فرأيتكم أحق به من غيركم، فقرَّبتُه إليه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه: ((كلوا)) وأمسك فلم يأكل، فقلت في نفسي: هذه واحدة.
ثم انصرفتُ عنه فجمعتُ شيئاً، وتحول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة، ثم جئته به، فقلت: إني قد رأيتُك لا تأكلُ الصدقة، وهذه هدية أكرمتُك بها، فأكل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأمر أصحابه فأكلوا معه، فقلت في نفسي: هاتان اثنتان.
ثم جئت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو ببقيع الغرقد قد تبع جنازة رجل من أصحابه، وهو جالس في أصحابه، فسلمت عليه، ثم استدرت أنظر إلى ظهره هل أرى الخاتم الذي وصف لي صاحبي، فلما رآني - صلى الله عليه وسلم - استدبرته عرَف أني أستثبت في شيء وصف لي، فألقى الرداء عن ظهره، فنظرت إلى الخاتم فعرفته، فأكببت عليه أقبله وأبكي.