الأرض، أو لحول بعض الناس إلى ملائكة يخلفونهم في الأرض: «وَلَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ» .. فمرد الأمر إلى مشيئة اللّه في الخلق. وما يشاؤه من الخلق يكون. وليس أحد من خلقه يمت إليه بنسب، ولا يتصل به - سبحانه - إلا صلة المخلوق بالخالق، والعبد بالرب، والعابد بالمعبود. (1)
ما يتضمنه الإيمان بالرسل:
1 - الإيمانُ بأن رسالتهم حقٌّ منَ الله تعالى لا تفريق بينهم:
فالكفرُ بواحد منهم كفرٌ بهم جميعا، كما قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا (150) أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا (151) وَالَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (152)} [النساء/150 - 152]
لقد كان اليهود يدعون الإيمان بأنبيائهم وينكرون رسالة عيسى ورسالة محمد كما كان النصارى يقفون بإيمانهم عند عيسى - فضلا عن تأليهه - وينكرون رسالة محمد كذلك.
وكان القرآن ينكر على هؤلاء وهؤلاء ويقرر التصور الإسلامي الشامل الكامل عن الإيمان باللّه ورسوله بدون تفريق بين اللّه ورسله وبدون تفريق كذلك بين رسله جميعا. وبهذا الشمول كان الإسلام هو «الدين» الذي لا يقبل اللّه من الناس غيره، لأنه هو الذي يتفق مع وحدانية اللّه ومقتضيات هذه الوحدانية.
إن التوحيد المطلق للّه سبحانه يقتضي توحيد دينه الذي أرسل به الرسل للبشر، وتوحيد رسله الذين حملوا هذه الأمانة للناس .. وكل كفر بوحدة الرسل أو وحدة الرسالة هو كفر بوحدانية اللّه في الحقيقة وسوء تصور لمقتضيات هذه الوحدانية. فدين اللّه للبشر ومنهجه للناس، هو هولا يتغير في أساسه كما أنه لا يتغير في مصدره. لذلك عبر السياق هنا عمن يريدون التفرقة بين اللّه ورسله (بأن يؤمنوا باللّه ويكفروا بالرسل) وعمن
(1) - في ظلال القرآن للسيد قطب - ت- علي بن نايف الشحود [ص 3995]