ومن ثم كانت هذه الإيقاعات العنيفة العميقة التي نراها في هذه الموجة من نهر السورة المتدفق .. الإيقاعات التي يعلم اللّه أن فطرة الإنسان تهتزلها وترجف فتتفتح نوافذها، وتستيقظ أجهزة الاستقبال فيها، وتتحرك وتحيا، وتتأهب للتلقي والاستجابة .. ذلك كله فضلا على أنها تمثل الحقيقة: «وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلى رَبِّهِمْ. قالَ: أَلَيْسَ هذا بِالْحَقِّ؟ قالُوا: بَلى وَرَبِّنا. قالَ: فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ» .. هذا مصير الذين قالوا:؟ إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا وَما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ» .. وهذا هو مشهدهم البائس المخزي المهين وهم موقوفون في حضرة ربهم الذي كذبوا بلقائه، لا يبرحون الموقف. وكأنما أخذ بأعناقهم حتى وقفوا في هذا المشهد الجليل الرهيب: «قالَ: أَلَيْسَ هذا بِالْحَقِّ؟» ..
وهو سؤال يخزي ويذيب! «قالُوا: بَلى وَرَبِّنا» .. الآن. وهم موقوفون على ربهم. في الموقف الذي نفوا على سبيل التوكيد أن يكون! وفي اختصار يناسب جلال الموقف، ورهبة المشهد، وهول المصير، يجيء الأمر العلوي بالقضاء الأخير: «قالَ: فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ» ..
وهو مصير يتفق مع الخلائق التي أبت على نفسها سعة التصور الإنساني وآثرت عليه جحر التصور الحسي! والتي أبت أن ترتفع إلى الأفق الإنساني الكريم، وأخلدت إلى الأرض، وأقامت حياتها وعاشت على أساس ذلك التصور الهابط الهزيل! لقد ارتكست هذه الخلائق حتى أهلت نفسها لهذا العذاب الذي يناسب طبائع الكافرين بالآخرة الذين عاشوا ذلك المستوي الهابط من الحياة! بذلك التصور الهابط الهزيل! (1)
5 - اجتنابُ الظلم بشتَّى صوره:
نظراً لكثرة الظلم والشحناء بين المسلمين في عصرنا الحاضر، وأنه لا شيء يمنع النفسَ من ظلم غيرها في نفس أو مال أو عرض: كاليقينِ بالرجوع إلى الله عز وجل، وإعطاء كلِّ ذي حقٍّ حقه، وإنصافِ المظلوم ممن ظلمه، فإذا تذكرَ العبد هذا الموقفَ العصيبَ الرهيب، وأنه لا يضيعُ عند الله شيء، كما قال تعالى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ
(1) - في ظلال القرآن للسيد قطب - ت- علي بن نايف الشحود [ص 1485]