responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : شرح الطحاوية - ط دار السلام نویسنده : ابن أبي العز    جلد : 1  صفحه : 408
الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ} [يس: 80] , فَأَخْبَرَ سُبْحَانَهُ بِإِخْرَاجِ هَذَا الْعُنْصُرِ، الَّذِي هُوَ فِي غَايَةِ الْحَرَارَةِ وَالْيُبُوسَةِ، مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ الْمُمْتَلِئِ بِالرُّطُوبَةِ وَالْبُرُودَةِ، فَالَّذِي يُخْرِجُ الشَّيْءَ مِنْ ضِدِّهِ، وَتَنْقَادُ لَهُ مَوَادُّ الْمَخْلُوقَاتِ وَعَنَاصِرُهَا [و] لا تَسْتَعْصِي عَلَيْهِ هُوَ الَّذِي يَفْعَلُ مَا أَنْكَرَهُ الْمُلْحِدُ وَدَفَعَهُ، مِنْ إِحْيَاءِ الْعِظَامِ وَهِيَ رَمِيمٌ, ثُمَّ أَكَّدَ هَذَا بِأَخْذِ الدِّلَالَةِ مِنَ الشَّيْءِ الْأَجَلِّ الْأَعْظَمِ، [عَلَى] الْأَيْسَرِ الْأَصْغَرِ، فَإِنَّ كُلَّ عَاقِلٍ يَعْلَمُ أَنَّ مَنْ قَدَرَ عَلَى الْعَظِيمِ الْجَلِيلِ فَهُوَ عَلَى مَا دُونَهُ بِكَثِيرٍ أَقْدَرُ وَأَقْدَرُ، فَمَنْ قَدَرَ عَلَى حَمْلِ قِنْطَارٍ فَهُوَ عَلَى حَمْلِ أُوقِيَّةٍ أَشَدُّ اقْتِدَارًا، فَقَالَ: {أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ}؟ [يس: 81] , فَأَخْبَرَ أَنَّ الَّذِي أَبْدَعَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ[1]، عَلَى جَلَالَتِهِمَا، وَعِظَمِ شَأْنِهِمَا، وَكِبَرِ أَجْسَامِهِمَا، وَسَعَتِهِمَا، وَعَجِيبِ خَلْقِهِمَا، أَقْدِرُ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ عِظَامًا قَدْ صَارَتْ رَمِيمًا، فَيَرُدَّهَا إِلَى حَالَتِهَا الْأُولَى, كَمَا قَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: {لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [غَافِرٍ: 57] , وَقَالَ: {أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ} [يس: 81] , ثُمَّ أَكَّدَ سُبْحَانَهُ ذَلِكَ وَبَيَّنَهُ بِبَيَانٍ آخَرَ، وَهُوَ أَنَّهُ لَيْسَ فِعْلُهُ بِمَنْزِلَةِ غَيْرِهِ، الَّذِي يفعل بالآلات والكلفة، والنصب وَالْمَشَقَّةِ، وَلَا يُمْكِنُهُ الِاسْتِقْلَالُ بِالْفِعْلِ، بَلْ لَا بُدَّ مَعَهُ مِنْ آلَةٍ وَمُعِينٍ، بَلْ يَكْفِي فِي خَلْقِهِ لِمَا يُرِيدُ أَنْ يَخْلُقَهُ وَيُكَوِّنُهُ نَفْسُ إِرَادَتِهِ، وَقَوْلُهُ لِلْمُكَوَّنِ: "كُنْ"، فَإِذَا هُوَ كَائِنٌ كَمَا شَاءَهُ وَأَرَادَهُ, ثُمَّ خَتَمَ هَذِهِ الْحُجَّةَ بِإِخْبَارِهِ أَنَّ مَلَكُوتَ كُلِّ شَيْءٍ بِيَدِهِ، فَيَتَصَرَّفُ فِيهِ بِفِعْلِهِ وَقَوْلِهِ: {وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [يس: 83] , وَمِنْ هَذَا قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: {أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى، أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى، ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى، فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى، أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى} [الْقِيَامَةِ: 36 - 40]. فَاحْتَجَّ سُبْحَانَهُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَتْرُكُهُ مُهْمَلًا عَنِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ، وَالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ، وَأَنَّ حِكْمَتَهُ وَقُدْرَتَهُ تَأْبَى ذَلِكَ أَشَدَّ الْإِبَاءِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ} [الْمُؤْمِنُونَ: 115]، إِلَى آخَرِ السُّورَةِ, فَإِنَّ مَنْ نَقَلَهُ من النطفة إلى العلقة، ثم إلى

[1] قال عفيفي: انظر مختصر الموصلي للصواعق المرسلة 106 - 107 من ج1 ط مكة.
نام کتاب : شرح الطحاوية - ط دار السلام نویسنده : ابن أبي العز    جلد : 1  صفحه : 408
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست