responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : شرح الطحاوية - ط دار السلام نویسنده : ابن أبي العز    جلد : 1  صفحه : 336
لَكِنَّ الْمُخْبَرَ، وَإِنْ جَزَمَ بِصِدْقِ الْمُخْبِرِ، فَقَدْ لا يتصور [المخبر به نفسه، كما يتصوره] إذا عَايَنَهُ، كَمَا قَالَ إِبْرَاهِيمُ الْخَلِيلُ صَلَوَاتُ اللَّهِ على نبينا محمد وعليه: {رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} [الْبَقَرَةِ: 260]. وَأَيْضًا: فَمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَجُّ وَالزَّكَاةُ مَثَلًا، يَجِبُ عَلَيْهِ [مِنَ] الْإِيمَانِ أَنْ يَعْلَمَ مَا أمر به، ويؤمن بأن الله أوجب عليه ما لا يجب على غيره [الإيمان به] إِلَّا مُجْمَلًا، وَهَذَا يَجِبُ عَلَيْهِ فِيهِ الْإِيمَانُ الْمُفَصَّلُ, وَكَذَلِكَ الرَّجُلُ أَوَّلَ مَا يُسْلِمُ، إِنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِقْرَارُ الْمُجْمَلُ، ثُمَّ إِذَا جَاءَ وَقْتُ الصَّلَاةِ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُؤْمِنَ بِوُجُوبِهَا وَيُؤَدِّيَهَا، فَلَمْ يَتَسَاوَ النَّاسُ فِيمَا أُمِرُوا بِهِ من الإيمان. ولا شك أن من قال بِقَلْبِهِ التَّصْدِيقُ الْجَازِمُ، الَّذِي لَا يَقْوَى عَلَى مُعَارَضَتِهِ شَهْوَةٌ وَلَا شُبْهَةٌ: لَا تَقَعُ مَعَهُ مَعْصِيَةٌ، وَلَوْلَا مَا حَصَلَ لَهُ مِنَ الشَّهْوَةِ وَالشُّبْهَةِ أَوْ إِحْدَاهُمَا لَمَا عَصَى، بَلْ يَشْتَغِلُ قَلْبُهُ ذَلِكَ الْوَقْتَ بِمَا يُوَاقِعُهُ مِنَ الْمَعْصِيَةِ، فَيَغِيبُ عَنْهُ التَّصْدِيقُ وَالْوَعِيدُ فَيَعْصِي. وَلِهَذَا -وَاللَّهُ أَعْلَمُ- قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ" [1]، الْحَدِيثَ. فَهُوَ حِينَ يَزْنِي يَغِيبُ عَنْهُ تَصْدِيقُهُ بِحُرْمَةِ الزِّنَا، وَإِنْ بَقِيَ أَصْلُ التَّصْدِيقِ فِي قَلْبِهِ، ثُمَّ يُعَاوِدُهُ. فَإِنَّ الْمُتَّقِينَ كَمَا وَصَفَهُمُ اللَّهُ بِقَوْلِهِ: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ} [الْأَعْرَافِ: 201]. قَالَ لَيْثٌ عَنْ مُجَاهِدٍ: هُوَ الرَّجُلُ يَهُمُّ بِالذَّنْبِ فَيَذْكُرُ اللَّهَ فَيَدَعُهُ. وَالشَّهْوَةُ وَالْغَضَبُ مَبْدَأُ السَّيِّئَاتِ، [فَإِذَا أَبْصَرَ رَجَعَ. ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: {وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ} [الْأَعْرَافِ: 202]، أَيْ: وَإِخْوَانُ الشَّيَاطِينِ تَمُدُّهُمُ الشَّيَاطِينُ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ, قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَا الْإِنْسُ تُقْصِرُ عَنِ السَّيِّئَاتِ]، وَلَا الشَّيَاطِينُ تمسك عنهم, فإذا لم يبصر بقي قَلْبُهُ فِي عَمًى، وَالشَّيْطَانُ يَمُدُّهُ فِي غَيِّهِ، وَإِنْ كَانَ التَّصْدِيقُ فِي قَلْبِهِ لَمْ يَكْذِبْ، فَذَلِكَ النُّورُ وَالْإِبْصَارُ، وَتِلْكَ الْخَشْيَةُ وَالْخَوْفُ تَخْرُجُ مِنْ قَلْبِهِ, وَهَذَا كَمَا أَنَّ الْإِنْسَانَ يُغْمِضُ عينه فَلَا يَرَى، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَعْمَى، فَكَذَلِكَ الْقَلْبُ، بِمَا يَغْشَاهُ مِنْ رَيْنِ الذُّنُوبِ، لَا يبصر الحق وإن لم يكن أعمى

[1] متفق عليه وقد مضى الحديث "برقم 373".
نام کتاب : شرح الطحاوية - ط دار السلام نویسنده : ابن أبي العز    جلد : 1  صفحه : 336
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست