وبهذه المناسبة الصحيح أن المشيئة لا تنقسم، فلا يقال: إن المشيئة نوعان شرعية وكونية.
بل المشيئة كونية فقط، وليس لمن قال: (إن المشيئة نوعان) ما يدل على قوله؛ بل المشيئة كونية فقط، وهي عامة (ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن).
وتقسيم الإرادة إلى كونية، وشرعية يجري مثله في معاني متعددة في القرآن، فمما يضاف إلى الله الإذن، وهو: شرعي وقدري ـ والقدري هو الكوني ـ والقضاء، والتحريم، والبعث، والإرسال، وغيرها كلها يجري فيها هذا التقسيم [1].
مثلا: الإذن منه كوني وشرعي، قال الله تعالى في شأن السحرة ((وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ)) [البقرة: 102] فالسحرة لا يضرون أحدا بسحرهم إلا بإذنه الكوني.
وأما الإذن الشرعي فقوله تعالى ((مَا قَطَعْتُم مِّن لِّينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ)) [الحشر: 5]
والقضاء: قال تعالى: ((وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرائيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ)) [الإسراء: 4] هذا قضاء كوني، وقال تعالى ((وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ)) [الإسراء: 23] هذا القضاء الشرعي.
والتحريم: قال تعالى ((وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ)) هذا تحريم كوني، لكن قوله تعالى ((حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ)) و ((حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ)) هذا تحريم شرعي.
المقصود: أن قول الطحاوي: (ولا يكون إلا ما يريد) فيه تقرير واثبات للإرادة الكونية، وفي هذا رد على المعتزلة؛ فإنهم ينفون الإرادة الكونية، ومن أصولهم الباطلة ما يسمونه بالعدل، ويدرجون فيه نفي القدر، ومن نفيهم للقدر، نفيهم عموم المشيئة، فعندهم أن مشيئة الله [1] الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان 11/ 265، وشفاء العليل ص 280.