بل الصواب أن نؤمن بالقدر ونثبته؛ فلا يصح بحال أن نحتجَّ بالقدر في مخالفة الشرع الحنيف، وإبطال تكاليفه كما هو شأن المشركين الذين قالوا: {لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} الآية [الأنعام: 148]، والذين قال الله فيهم: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ} الآية [يس: 47] وقد رد الله ذلك عليهم وأبطله، ولم
يقبلْهُ منهم.
والحاصلُ أن العدل هو الوسط؛ فنصدِّقُ بما أخبر به الصادق المصدوق صلى الله عليه وآله وسلم على وجهه؛ فلا ننفي ما أثبته، ولا نثبت ما نفاه، ولا نفتري عليه الكذبَ بالأحاديث الموضوعة والأقوال المتهافتة، ولا نَعْرِض لسنته صلى الله عليه وآله وسلم بالشبهات المُغْرِضَةِ، ولا نحتج بأخباره على إبطال شرعه، ونقض أحكامه؛ فإن الله -عز وجل- لم يجعل لعمل المؤمن منذ كُلِّف أجلًا دون الموت: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (99)} [الحجر: 99].
يتضح مما تقدم أن الإيمان بأشراط الساعة يُحَفِّزُ على الاجتهاد في الأخذ بأسباب النجاة، واستفراغ الوُسْعِ في الاستعداد للقاء الله تعالى بالأعمال الصالحة، والسعي لتمكين دين الله في الأرض، وذلك بخلاف ما يحصل من بعض الناس الذين يتكئون على أشراط الساعة، ويتوقفون عن العمل والسعي؛ بحجة انتظار المهدي، ونزول عيسى مثلًا؛ تمامًا كما يحصل من الكسالى الذين يسيئون فهم قضية "القضاء والقدر"، ويتخذون منها وسيلة لتسويغ تواكلهم وتوانيهم وتقصيرهم.