وعَكَسَ ذلك العامَّةُ، فآمنوا بالنص مع الفَهْم المذكور، فمع كلِّ مِن الفريقين هدًى وضلال. والحق: الأخذ بهُدَى كل منهما، ونبذ الضلال الذي عندهما؛ وذلك بالإيمان بالنص دون الفهم الخاطئ.
وما مثل هؤلاء وهؤلاء إلا كمثل المعتزلة من جهة، والمشبّهة من جهةٍ أخرى؛ فإن الأولين تأوَّلوا آياتِ وأحاديثَ الصفات بتاَويلَ باطلةٍ، أودت بهم إلى إنكار الصفات الإلهية، وما حملهم على ذلك إلا فِرَارُهُمْ من التشبيه الذي وقع فيه المشبِّهة. والحقيقة: أن المعتزِلَة أنفسهم شاركوا المشبّهة في فَهْم التشبيه من آيات الصفات، ولكنهم افترقوا عنهم بإنكار التشبيه بطريق التأويل الذي هو باطل -أيضًا- كالتشبيه؛ لِمَا لزم منه من إنكار الصفات الإلهية، وأما المشبّهة فلم يقعوا في هذا الباطل، ولكنهم ثبتوا على التشبيه.
والحق: الجمعُ بين صواب هؤلاء وهؤلاء، وردُّ باطل هؤلاء وهؤلاء؛ وذلك بالإثبات والتنزيه؛ كما قال الله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11)} [الشورى: 11].
وكذلك أقول في أحاديث نزول عيسى عليه السلام، وغيرها؛ فإن الواجب فيها إنما هو الإيمان بها، وردُ ما توهمه المتوهمون منها؛ من ترك العمل، والاستعداد الذي يجب القيامُ به في كل زمان ومكان، وبذلك نكون قد جمعنا بين صواب هؤلاء وهؤلاء، ورددنا باطل هؤلاء وهؤلاء، والله المستعان" [1]. اهـ.
(1) "قصة المسيح الدجال"، للألباني -رحمه الله تعالى- ص (36 - 38).