القائلون بعدم كفر تارك الصلاة وأدلتهم
وأما كفر تارك الصلاة فهذه مسألة عظيمة ومسألة مهمة، ولذلك أفردت الكلام عليها؛ لعظم شأنها، ولكثرة من ابتلي بترك الصلاة، فكثير من الناس ابتلي ببعض الأقارب ممن لا يصلي، أو بعض الأبناء، أو بعض الإخوان، فلا بد من تحقيق هذه المسألة العظيمة، فأقول: اختلف العلماء في تارك الصلاة: هل يكفر كفراً أكبر يخرج من الملة، أو يكون كفره كفراً أصغر لا يخرج من الملة؟ فذهب جمهور الفقهاء -ومنهم الإمام أبو حنيفة ومالك والشافعي، وهي إحدى الروايتين عن الإمام أحمد رحمه الله- إلى أنه يكفر كفراً أصغر يوجب استحقاق الوعيد، ولا يوجب الخلود في النار، واختار هذه الرواية من الحنابلة ابن بطة وقال: إن المذهب على هذا، ولم نجد فيه خلافاً فسره، وفي المغني والشرح الكبير أنه يكفر كفراً أصغر لا يخرج من الملة، واستدلوا على ذلك بأدلة: أولاً: قالوا: إن تارك الصلاة مصدق، وقد دخل في الإسلام بيقين، فلا يخرج من الإسلام إلا بيقين، هو مصدق يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وليس جاحداً ولا مكذباً، فقد دخل في الإسلام بيقين، فلا يخرج من الإسلام إلا بيقين، واستدلوا -أيضاً- بحديث عتبان الطويل، ففي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في آخره: (فإن الله حرم على النار من قال: لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله) وتارك الصلاة يقول: (لا إله إلا الله)، فهو داخل في هذا الفضل.
واستدلوا -أيضاً- بحديث عبادة بن الصامت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، وأن الجنة حق والنار حق أدخله الله الجنة على ما كان من العمل) وتارك الصلاة يشهد هذه الشهادة.
واستدلوا -أيضاً- بحديث أنس رضي الله عنه: (يخرج من النار من قال: لا إله إلا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن برة)، فهذا يدل على أن تارك الصلاة لا يخلد في النار.
واستدلوا -أيضاً- بحديث أبي هريرة رضي الله عنه في الصحيحين أنه قال: (يا رسول الله! من أسعد الناس بشفاعتك؟ قال: من قال لا إله إلا الله خالصاً من قلبه) وفي رواية (صدقاً من قلبه)، وهذا ينطبق على تارك الصلاة.
واستدلوا -أيضاً- بحديث معاذ أنه كان رديف النبي صلى الله عليه وسلم على حمار فقال له: (يا معاذ! قلت: لبيك وسعديك، قال: أتدري ما حق الله على العباد، وحق العباد على الله؟ قلت: الله ورسوله أعلم.
قال: حق الله على عباده أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً، وحق العباد على الله ألا يعذب من لا يشرك به شيئاً)، وتارك الصلاة يعبد الله موحداً وليس بمشرك، فهو داخل في هذا العموم.
واستدلوا -أيضاً- بحديث البطاقة، وفيه (يؤتى برجل يوم القيامة فيخرج له تسعة وتسعون سجلاًً كل سجل مد البصر، وكلها سيئات، فيقال له: هل لك حسنة؟ فلا يجيب، فيقول الله له: بلى إن لك عندنا حسنة واحدة، فيؤتى ببطاقة فيها (أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله)، فقال: وماذا تفعل هذه البطاقة مع هذه السجلات، فوضعت البطاقة في كفة والسجلات في كفة، فطاشت السجلات وثقلت البطاقة، فغفر الله له)، قالوا: ومعلوم أن تارك الصلاة له هذه البطاقة، فهو يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وغير ذلك من النصوص التي تدل على فضل التوحيد والإيمان.