الأولى بيد الخلق من الأنبياء عطاهم الله عز وجل البيان والهداية ليهدوا الخلق للإرشاد والبيان والشرح والإيضاح لشريعة الله جل وعلا، ولبيان الأحكام المأمور بها والمنهي عنها فإذا بيّن العالم وبين الداعية وبين الواعظ أحكام الشرع حينئذ يبقى ماذا؟ جـ / قبول هذا الحق ودخوله إلى القلب وانشراح الصدر. هذا ليس إليك ولو ادّعاه مدعٍ لقلنا أشرك في صفة من صفات الرب جل وعلا، كمن يدعي سعة السمع بأنه يسمع كل من يدعوا من مشرق الأرض ومغربها، نقول هذا قد وقع في الشرك الأكبر، في صفة السمع كذلك. إذا ادعى التحكم في قلوب الناس وانشراح الصدر للحق. نعم قد يتخذ الوسائل قد ينظر في أحسن الوسائل وفي أعلاها واقربها في نفوس الناس نقول: هذا كله داخل في هداية الدلالة والإرشاد وأما قبول الحق فهو بيد الله جل وعلا، ولذلك جاء قوله تعالى لنبيه عليه الصلاة والسلام {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} أثبت له الهداية بل أكده {إِنَّكَ لَتَهْدِي} بإن واللام، وقال: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} أثبت في موضع ونفى في موضع ما أثبته. المراد به هداية الإرشاد والدلالة وما نفاه المراد به هداية التوفيق والقبول لهذا الحق وانشراح الصدر، يستفيد طالب العلم من هذا التفصيل أنه إذا أمر ونهى غيره لا يحمل الناس بالمتاعب على أن يتقبلوا ما دعاهم إليه. أليس كذلك؟ نقول: لأنك بينت وأديت ما عليك أما هذا فقد قضى ما عليه يلق القبول هذا ليس بيدك نعم تكرر وتحاول وتأخذ بأحسن وأرقى الأساليب في الوصول إلى قلوب الناس وانشراح صدورهم لما تقول أما لابد أن يقبل ولابد أن يفعل ولابد أن ينفذ هذا ليس إليك، فإذا اعتقدت انه لابد أن يقبل ولابد أن ينشرح صدره فقد تعديت حقك ونظرت إلى نفسك بعينٍ أن أصغر وأحقر من ذلك لأن قبول الحق إنما هو بيد الله جل وعلا لذلك الإمام ـ رحمه الله ـ من عادته في رسائله الصغيرة هذه التي تلقاها الناس ليدعوا للقارئ ويدعوا للمتعلّم بالرحمة، بالرشد، بما ذكره هنا من الدعوات المباركات المشتملة على المعالم الجليلة والدقائق العظيمة فقال ـ رحمه الله ـ:
[أَسْأَلُ اللهَ الْكَرِيمَ رَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ أَنْ يَتَوَلاكَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ.
وَأَنْ يَجْعَلَكَ مُبَارَكًا أَيْنَمَا كُنْتَ، وَأَنْ يَجْعَلَكَ مِمَّنْ إِذَا أُعْطِيَ شَكَرَ، وَإِذَا ابْتُلِيَ صَبَرَ، وَإِذَا أذَنبَ اسْتَغْفَرَ. فَإِنَّ هَؤُلاءِ الثَّلاثُ عُنْوَانُ السَّعَادَةِ.]