الواضحات بنفسها تبين له المقصود من المتشابهات وتعين له وجه الصواب، ومن وقف من العلماء عند الآيات المتشابهات ولم يرجع بها إلى المحكمات الواضحات ارتكس في الباطل وضل عن سواء السبيل، كالنصارى في احتجاجهم على أن عيسى ابن الله، يقول الله تعالى فيه: إنه كلمة الله ألقاها إلى مريم وروح منه، وتركهم الرجوع إلى قوله تعالى في عيسى عليه السلام: {إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ} [1] ، وقوله: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [2] ، وقوله سبحانه: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [3] {اللَّهُ الصَّمَدُ} [4] {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ} [5] {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [6] ، وقد دل على هذا النوع من التشابه الخاص، والإحكام الخاص، وبين اختلاف الناس في موقفهم منه قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ} [7] .
وبهذا يعلم أن القرآن تبيان لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى [1] سورة الزخرف الآية 59 [2] سورة آل عمران الآية 59 [3] سورة الإخلاص الآية 1 [4] سورة الإخلاص الآية 2 [5] سورة الإخلاص الآية 3 [6] سورة الإخلاص الآية 4 [7] سورة آل عمران الآية 7