عليه الآباء. فما أبطل هذا من قول! وكيف يصح لمن يدعي الإسلام أن يظن بالله وكتابه هذا الظن؟
ولما عرف سبحانه أن هذه الأمة سيجري عليها ما جرى على مَن قبلها من اختلافهم على أكثر من سبعين فرقة، وأن الفرَق كلها تترك هدى الله إلا فرقة واحدة، وأن كل الفرَق يقرون أن كتاب الله هو الحق لكن يعتذرون بالعجز، وأنهم لو يتعلمون كتاب الله ويعملون به لم يفهموا لغموضه [1] قال: {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى} [2]، وهذا تكذيب هؤلاء الذين ظنوا في القرآن ظن السوء. قال ابن عباس: " تكفل الله لمن قرأ القرآن وعمل بما فيه، ألا يضل في الدنيا، ولا يشقى في الآخرة ". وبيان هذا، أن هؤلاء الذين يزعمون أنهم لو تركوا طريقة الآباء، واقتصروا [3] على الوحي، لم يهتدوا بسبب أنهم لا يفهمون، كما قالوا: {قُلُوبُنَا غُلْفٌ} [4]، فرد الله عليهم بقوله: {بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ} [5]، فضمن لمن اتبع القرآن أنه لا يضل كما ضل من اتبع الرأي; فتجدهم في المسألة الواحدة يحكون سبعة أقوال أو ستة، ليس منها قول صحيح، والذي ذكره الله في كتابه في تلك المسألة بعينها لا يعرفونه.
والحاصل: أنهم يقولون: لا نترك القرآن إلا خوفًا من الخطإ، ولم نقبل على ما نحن فيه إلا للعصمة، فعكس الله كلامهم، وبين أن العصمة في اتباع القرآن إلى يوم القيامة. [1] في طبعة أبا بطين: (الغموض) . [2] سورة طه آية: 123. [3] في المخطوطة: ويقتصرون. [4] سورة البقرة آية: 88. [5] سورة البقرة آية: 88.