وأما المسائل التي ذكر في الجنائز: من لمس القبر، والصلاة عنده، وقصده لأجل الدعاء، أو كذا وكذا، فهذا أنواع: أما بناء القباب عليها فيجب هدمها، ولا علمت أنه يصل إلى الشرك الأكبر، وكذلك الصلاة عنده، وقصده لأجل الدعاء، فكذاك لا أعلمه يصل إلى ذلك؛ ولكن هذه الأمور من أسباب حدوث الشرك، فيشتد نكير العلماء لذلك، كما صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: " لعنة الله على اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد " [1]. وذكر العلماء أنه يجب التغليظ في هذه الأمور، لأنه يفتح باب الشرك; كما أنه أول ما حدث في الأرض بسبب ود وسواع ويعوق ونسر، لما عكفوا على قبورهم، ثم صوروا تماثيلهم يتذكرون بها الآخرة، ثم بعد ذلك بقرون عبدوا؛ فكذلك في هذه الأمة كما قال صلى الله عليه وسلم: " لتتبعنّ سنن من كان قبلكم، حذو القذة بالقذة، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه " [2]. فأول ما حدث الصلاة عند القبور والبناء عليها من غير شرك، ثم بعد ذلك بقرون وقع الشرك.
وأول ما جرى من هذا: أن بني أمية - لما بنوا مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم - وسعوه واشتروا بيوتًا حوله، ولم يمكنهم إدخال بيت النبي صلى الله عليه وسلم الذي فيه قبره وقبر صاحبيه، ولكن أدخلوا البيت في المسجد لأجل توسيع المسجد ولم يقصدوا تعظيم الحجرة بذلك، لكن قصدوا تعظيم المسجد، ومع هذا أنكره علماء المدينة، حتى قُتل خبيب بن عبد الله بن الزبير بسبب إنكاره ذلك. فانظر إلى سد العلماء الذرائع.
وأما النذر له، ودعاؤه والخضوع له، فهو من الشرك الأكبر، فتأمل ما ذكره البغوي في تفسير سورة نوح في قوله تعالى: {وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ [1] البخاري: الصلاة (436) , ومسلم: المساجد ومواضع الصلاة (531) , والنسائي: المساجد (703) , وأحمد (1/218, 6/34, 6/80, 6/121, 6/146, 6/252, 6/255, 6/274) , والدارمي: الصلاة (1403) . [2] البخاري: أحاديث الأنبياء (3456) , ومسلم: العلم (2669) , وأحمد (3/84, 3/89, 3/94) .