وأخبر عن مراده فيما شرعه في تحويل القبلة إلى بيته الحرام، وأن ذلك قد قصد به وأراد منه إتمام نعمته، وليحصل لهم الاهتداء، وذكرهم عند ذلك هذه النعم، وأنه فعل ذلك كما منَّ عليهم قبل بمبعث الرسول فقال: {كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ} [1].
[أعظم نعم الله هي إرساله الرسل]
فبعث الأنبياء، وإرسال الرسل هو الذي حصل به العلم النافع والعمل الصالح، كمعرفة الله بصفات كماله، ونعوت جلاله، والاستدلال بآياته ومخلوقاته، والقيام له بما أوجب على خلقه من العبادة والتوحيد، والعمل بما يرضي الرب ويريد، فإن بهذا تحصل زكاة العبد ونموه، وصلاحه وفلاحه، وسعادته في الدنيا والآخرة.
وفي ضمن تعليمه الكتاب والحكمة من تفاصيل العلوم والأعمال والمعارف، والأمثال الدالة على وحدانيته وقدرته ورحمته وعدله وفضله، وإعادته لخلقه وبعثه إياهم، ومجازاتهم على أعمالهم، وذكر أيامه في أنبيائه وأوليائه، وما فعل ويفعل بأعدائهم وأعدائه، وإخباره بإلحاق النظير بالنظير، والشبيه بالشبيه، والمثل بالمثل، ما يوجب للعبد من العلم بالله، ومعرفة قدرته، وحكمته في أقداره، ومراده من شرعه وخلقه، وغير ذلك من الأحكام الكلية والجزئية ما لا يمكن حصره ولا استقصاؤه.
فما أنعم الله على أهل الأرض من نعمة إلا وهي دون نعمة إرسال الرسل وبعث النبيين، خصوصا رسالة محمد سيد ولد آدم صلى الله عليه وسلم صاحب اللواء المعقود، والمقام المحمود، والحوض المورود، فإنه قد حصل برسالته من عموم الرحمة لكافة العالمين، ومن السعادة والفلاح، والتزكية والهدى والرشاد لمن اتبعه ما لم يحصل مثله، ولا قريب منه ببعث غيره من الأنبياء.
فمن كان له من قبول ما جاء به والإيمان به حظ ونصيب فعليه من شكر الله على هذه النعمة، وطاعته، وإدامة ذكره، والثناء بنعمه، ما ليس على من قل حظه ونصيبه من ذلك. [1] سورة البقرة آية: 151.