ومن أعظمها الاعتصام بكتابه ودينه علما وعملا، وأداء شكره، والقيام بما فرضه على عباده من الدعوة إلى الخير، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر.
[الفساد بالإعراض عن كتاب الله والخير في اتباعه]
ومن هنا تعلم أن من أعظم الفساد، الإعراض عن كتاب الله وما بعث الله به رسوله من الهدى والعلم، واتباع الأهواء والآراء المضلة، نعوذ بالله من ذلك، فإذا وقع ذلك ترتب عليه من أنواع الفساد ما لا يكاد يبلغه الوصف. فمن ذلك الاختلاف في الدين والتحاسد، والتدابر والتقاطع، فلا تكاد ترى إلا من هو معجب برأيه، منتقص لغيره، مخلد إلى الأرض عن تعلم العلم وتعليمه.
فالواجب على من أعطاه الله شيئا من العلم أن يبذله لطالبيه، وأن يقوم بما أوجب الله –تعالى- عليه من النصيحة لله ولرسوله ولكتابه، ولأئمة المسلمين وعامتهم، وعلى الخاصة والعامة أن يعظموا كتاب ربهم ودينه وشرعه، ويقبلوا بكليتهم على ما ينفعهم من تعلم دينهم وطاعة ربهم، وترك معاصيه، وأن يقوموا بما وجب عليهم مع ذلك من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على علم وبصيرة، وأن يهتموا بما يصلح ذلك من الإخلاص لله تعالى في أمور دينهم.
وعلى من نصح نفسه أن يكون حذرا من الأسباب التي تضعف الإيمان، وتجلب أسباب المآثم والعصيان، من الهلع والطمع والرضاء بالدنيا، والاطمئنان بها، وفي الحديث:"حب الدنيا رأس كل خطيئة".
وأخرج البخاري وغيره من حديث أبي سعيد:"أن النبي صلى الله عليه وسلم جلس ذات يوم على المنبر، وجلسنا حوله فقال: إن مما أخاف عليكم من بعدي ما يفتح عليكم من زهرة الدنيا وزينتها، فقال رجل: يا رسول الله أفيأتي الخير بالشر؟ فسكت النبي صلى الله عليه وسلم، فقيل له: ما شأنك تكلم النبي صلى الله عليه وسلم ولا يكلمك؟ فرأينا أنه ينْزل عليه. قال: فمسح عنه الرحضاء، فقال: أين السائل؟ وكأنه حمده، فقال: إنه لا يأتي الخير بالشر، وإن مما ينبت الربيع يقتل أو يلم، إلا آكلة الخضر إذا أكلت