كل ذلك مواقع نعمه وصنائعه فيكم، ويبين لكم حجته في تنْزيله على رسوله صلى الله عليه وسلم لتهتدوا إلى سبيل الرشاد، وتسلكوها فلا تضلوا عنها.
[الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر]
وقوله: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ} [1] الآية، قال ابن كثير في تفسيره: المقصود من هذه الآية أن تكون فرقة من الأمة متصدية للقيام بأمر الله في الدعوة إلى الخير، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإن كان ذلك واجبا على كل فرد من الأمة بحبسه، كما ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرةرضي الله عنهقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فمن لم يستطع فبلسانه، فمن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان" [2].
وفي المسند عن حذيفة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابا من عنده ثم لتدعنه، فلا يستجيب لكم" [3] انتهى.
قلت: وروى محمد بن نصر من حديث يزيد بن مرثد مرسلا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل رجل من المسلمين على ثغرة من ثغور الإسلام، الله الله لا يؤتى الإسلام من قبلك". وروى بسنده عن الحسن بن حي:"إنما المسلمون على الإسلام بمنْزلة الحصن، فإذا أحدث المسلم حدثا ثغر في الإسلام من قبله، فإن أحدث المسلمون كلهم، فاثبت أنت على الأمر الذي لو اجتمعوا عليه لقام الدين لله بالأمر الذي أراده من خلقه".
[النهي عن الاختلاف والفرقة]
وقوله: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [4].
قال ابن عباس في الآية: أمر الله المؤمنين بالجماعة، ونهاهم عن الاختلاف والفرقة، وأخبرهم أنه إنما هلك من كان قبلهم بالمراء، والخصومات في دين الله.
قلت: فتأمل كيف نهى الله سبحانه في هذه الآيات عن التفرق في موضعين، وأخبر أنه من موجبات العذاب العظيم، وأرشد إلى أسباب الاجتماع على دينه وشرعه. [1] سورة آل عمران آية: 104. [2] مسلم: الإيمان 49 , والترمذي: الفتن 2172 , والنسائي: الإيمان وشرائعه 5008 , وأحمد 3/20 ,3/49 ,3/54 ,3/92. [3] أحمد 5/388. [4] سورة آل عمران آية: 105.