نام کتاب : فتاوى الشبكة الإسلامية نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 1 صفحه : 5599
مناقشة عقيدة الفداء عند النصارى
ƒـ[في مناقشة أحد المسيحين عن موضوع الفداء والصلب, ذكر لي دليلا من القرآن علي ثبوت عقيدة الفداء في القرآن (وفديناه بذبح عظيم) هنا فدى الله سيدنا إسماعيل بالذبح العظيم المقصود به الله (ابن الله) سبحانه وتعالى! يكمل ما هو المغزى من إرسال هذا الذبح؟ بعد أن تأكد الله من طاعة سيدنا إبراهيم وإسماعيل لله إلا أن الله يريد أن يغرس في البشريه كلها عقيدة الفداء بالدم كما في سفر عبرانين (بدون سفك دم لا تحدث مغفرة) .]ـ
^الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن الغريب جداًً أن يناقشك هذا الذي ذكرته بأدلة من كتاب هو لا يؤمن به، ولا يقر لرسوله بأن دينه هو خاتم الأديان، وأن جميع ما قبله من الشرائع منسوخ به، وأن الله تعالى لا يقبل دينا سواه قال تعالى: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ {آل عمران: 85} ... وبما أنه استدل لك من القرآن فالرد عليه يكون من القرآن أيضاً فنقول: الثابت في القرآن والسنة أن المغفرة تحصل للمخطئين والعاصين بغير سفك الدماء على خلاف ما ذكر مناقشك، وأن سفك الدماء هو أحد تلك الأسباب، والمقصود بالدماء هنا دماء بهيمة الأنعام وليس دماء البشر، فإن دماء البشر معصومة بنصوص القرآن والسنة إلا إذا دل دليل على جواز سفكها، ولا نعلم في شرع الله تعالى أن التوبة تكون بسفك دم إنسان، ومن أسباب المغفرة التي وردت في الكتاب والسنة الاستغفار والتوبة وأداء الفرائض ونحو ذلك, ويمكن أن نجملها لك في الأسباب التالية:
السبب الثاني: الاستغفار، كما في صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون ثم يستغفرون فيغفر الله لهم.
السبب الثالث: الأعمال الصالحة والحسنات الماحية كما قال تعالى: إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ {هود: 114} وقال صلى الله عليه وسلم: الصلوات الخمس, والجمعة إلى الجمعة, ورمضان إلى رمضان:مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر. رواه مسلم، وقال صلى الله عليه وسلم: من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه. رواه البخاري، وقال صلى الله عليه وسلم: من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه. رواه البخاري، وقال صلى الله عليه وسلم: اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن. رواه الترمذي وقال حسن صحيح وحسنه الألباني
السبب الرابع الدافع لعقاب الله: دعاء المؤمنين للمؤمن، مثل صلاتهم على جنازته، فعن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ما من ميت يصلي عليه أمة من المسلمين يبلغون مائة كلهم يشفعون إلا شفعوا فيه. وعن ابن عباس قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما من رجل مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلاً لا يشركون بالله شيئاً إلا شفعهم الله فيه. رواهما مسلم.
السبب الخامس: ما يعمل للميت من أعمال البر كالصدقة ونحوها، فإن هذا ينتفع به بنصوص الكتاب والسنة الصحيحة واتفاق الأئمة، وكذلك العتق والحج بل قد ثبت عنه في الصحيحين أنه قال: من مات وعليه صيام صام عنه وليه. وثبت مثل ذلك في الصحيح من صوم النذر من وجوه أخرى.
السبب السادس: شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم وغيره في أهل الذنوب يوم القيامة، كما قد تواترت عنه أحاديث الشفاعة، مثل قوله صلى الله عليه وسلم: خيرت بين الشفاعة وبين أن يدخل نصف أمتي الجنة فاخترت الشفاعة. رواه ابن ماجة وصححه الألباني.
السبب السابع: المصائب، وهي كل ما يؤلم من هم أو حزن أو أذى في مال أو عرض أو جسد أو غير ذلك، لكن ليس هذا من فعل العبد, وهذه المصائب يكفر الله بها في الدنيا، كما في الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ما يصيب المؤمن من وصب ولا نصب ولا هم ولا حزن ولا غم ولا أذى حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه. ولما نزل قول الله تعالى: مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ {النساء: 123} قال أبو بكر: يا رسول الله: قد جاءت قاصمة الظهر، وأينا لم يعمل سوءا؟ فقال صلى الله عليه وسلم: يا أبا بكر: ألست تنصب؟ ألست تحزن؟ ألست تصيبك اللأوى؟ فذلك ما تجزون به. رواه السيوطي في الدر المنثور وعزاه للطبري في تفسيره.
السبب الثامن: ما يحصل في القبر من الفتنة والضغطة والروعة، فإن هذا مما تكفر به الخطايا.
السبب التاسع: أهوال يوم القيامة وكربها وشدائدها.
السبب العاشر: رحمة الله وعفوه ومغفرته بلا سبب من العباد، فالله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء سبحانه.
وما تقدم من مكفرات الذنوب متعلق بالذنوب المطلقة، ولكن هناك كفارات أخرى مقدرة، وهي الهدي والعتق والصيام، كما يكِفر المجامع في رمضان والمظاهر والمرتكب لبعض محظورات الحج أو تارك بعض واجباته أو قاتل الصيد, ولمزيد بيان راجع كتاب ((معرفة الخصال المكفرة للذنوب المتقدمة والمتأخرة)) للإمام الحافظ ابن حجر. هذا هو ردنا من القرآن والسنة.
وبقي أن نثبت بطلان ما ذكر من الإنجيل نفسه، مع بيان موقف العقل الصريح مما ذهب إليه من ادعاء، فنقول: إن دين النصارى الذي هم عليه الآن دين محرف عما نزل من عند الله على عيسى عليه السلام؛ فلذلك نجده مليئاً بالغرائب والتناقضات، وليس أقل تلك الغرائب البدعة التي اخترعها النصارى فيما يتعلق بصلب المسيح عليه السلام, وليست الغرابة في دعوى صلبه ـــ فقد قتل قبله أنبياء كثيرون ــ لكن الغرابة في ملابسات هذه الحادثة المخترعة التي تحولت في نظر النصارى من مصدر للألم إلى مصدر للفرح والسرور، إذ يعتقد النصارى أن المسيح عليه السلام ابن لله عز وجل وهو في ذات الوقت إله مساو لله أو دونه ــ على خلاف بينهم في ذلك ــ وهنا مصدر الإشكال، إذ كيف لابن الإله أن يصلب، ويهان، ويعلق على خشبة، ويبصق في وجهه في مشهد تتفطر له الأكباد؟!! فلأي شيء يترك الإله ابنه؟ بل كيف للابن ــ الذي له صفات الإله في نظرهم ــ أن يترك حفنة من اليهود التعساء تفعل به هذه المهانة، بل وتسخر منه أمام الملأ قائلة: يا من يدعي أنه يبني الهيكل في ثلاث، كيف لا تستطيع أن تخلص نفسك، كل ذلك وابن الإله " الإله " (في زعمهم) عاجز عن دفع الضر عن نفسه فضلاً عن أن يوقع الضر بغيره ممن صلبه.
ويذكر النصارى في أناجيلهم المحرفة أن المسيح صاح جزعاً: " إيلي، إيلي، لَما شبقتاني؟ " أي: " إلهي، إلهي "، لماذا تركتني؟ (متى الإصحاح (27) رقم (46 ـ 47) ، ويجيب النصارى على هذه التساؤلات الجوهرية ــ التي تبين فساد وبطلان معتقدهم ــ بقولهم: إن الخلق ومنذ أن أكل آدم عليه السلام من الشجرة وهم يعيشون تحت وطأة الخطيئة، فالمولود يولد مخطئاً ويعيش مخطئاً بعيداً عن الله عز وجل جراء تلك الخطيئة الأولى، فلما أراد الله أن يغفر لهم أخرج ابنه وأسكنه في بطن مريم العذراء ـ عليها السلام، يتغذى مما في بطنها، ثم أخرجه مولوداً، وترعرع كما يترعرع الصبيان، حتى إذا شب وكبر، سلمه لأعدائه ليصلبوه، فيكون ذلك كفارة عن خطيئة آدم عليه السلام التي لحقت سائر الناس.
ونحن نقول: كيف يعذب الله سيدنا عيسى على ذنب لم يرتكبه هو (وهو أكل سيدنا آدم من الشجرة) ، وكيف يكون العقاب القتل صلباً على مجرد أكل ثمرة لا تكافأ بمثل هذا العقاب؟ !!!!! .
ويذهب النصارى إلى أبعد من ذلك في تفسير حادثة صلب الإله ـ في نظرهم إذ يعتقدون أن المسيح ويسمونه المخلص لم يخلصهم من خطيئة آدم الأولى فحسب، بل خلصهم من جميع الخطايا التي ارتكبوها والتي سيرتكبونها، إذ يكفي في نظرهم أن يؤمن النصراني بالمسيح لينال رضا الله، وليفعل بعد ذلك ما يشاء.
ولعل أول ما يرد على النصارى في عقيدة الفداء هو اتهامهم لله عز وجل بالظلم من جهة، وبالعجز من جهة أخرى، أما الظلم فلأن الله قد قضى: أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى {النجم: 38} وليس هذا الأمر مقرراً في القرآن وحده بل هو منصوص عليه في التوارة أيضاً فقد جاء في " سفر التثنية ": لا يُقتل الآباء عن الأولاد، ولا يُقتل الأولاد عن الآباء، كل إنسان بخطيئته يقتل: أهـ، فهذا نص توراتي صريح يؤيد النص القرآني بألا يتحمل أحد جريرة أحد، فما بال النصارى يريدون أن يحملوا البشرية جميعاً خطأ آدم عليه السلام، أليس مقتضى العدل أن يتحمل آدم عليه السلام وزر خطيئته وحده دون غيره، مع العلم أننا نعتقد كما أخبرنا القرآن أن آدم عليه السلام تاب إلى الله عز وجل فتاب الله عليه وانتهت القضية عند ذلك، وما نرى دعوى النصارى في عقيدة الفداء إلا اختراعا اخترعوه ليبرروا قولهم بأن الإله صلب، وهو أمر باطل من أساسه، وما بني على باطل فهو باطل، هذا ما يلزمهم من اتهام الله بالظلم.
أما اتهام الله عز وجل بالعجز فيظهر من خلال تلك التمثيلية الطويلة التي اخترعها النصارى من حمل مريم بالإله إلى ولادته إلى صلبه، كل ذلك ليغفر الله للناس خطيئة آدم عليه السلام التي لحقتهم، وكأن الله عاجز عن غفران خطيئة آدم إلا بتلك الطريقة الساذجة التي ذكروها، إن في دعوى النصارى أن ابن الإله أهين وبصق في وجهه وصلب على خشبة حتى مات مسبه شنيعة ما تجرأ عليها أحد من العالمين، حتى الوثنيون لم ينسبوا هذا النقص لآلهتهم وهي من الحجارة والطين، ويعجبني ما قاله قس مصري أسلم: (إن كان المسيح رباً فلماذا يحتاج كي يغفر للعباد ويكفر ذنوبهم أن يُصلب ويُهان ويُصفع ويُبصق في وجهه ... !!)
ومن العجب أن يوجد في التوارة التي يؤمن بها النصارى ويسمونها العهد القديم لعن من عُلق على خشبة، ففي سفر التثنية (21 / 23) : " ملعون من تعلق بالصليب " فهل أصبح المسيح عليه السلام ملعوناً؟ إن جواب النصارى على ذلك ليصيب العاقل بالحيرة والذهول، إذ يقول بولس في رسالته إلى أهل غلاطية (3 / 13} : " المسيح افتدانا من لعنة الشريعة إذ صار لعنة لأجلنا. انتهى. فانظر إلى عقول هؤلاء كيف يصفون إلههم باللعنة ثم يعبدونه ويقدسونه، إنها عقول فسدت فجعلت من الإله ملعونا، وفسدت فجعلت الثلاثة واحداً، وفسدت فعظمت الآلة التي قتل عليها إلههم،حيث علق كل واحد على صدره صليباً. هذا هو دين النصارى، وإن المرء ليعجب أشد العجب من دين هذا مبدأه وتلك أصوله يكاد يهدم بعضها بعضاً، إذ يكفي عندهم الإيمان بألوهية المسيح حتى ينال أحدهم رضا الله عز وجل.
وليس فداء سيدنا إسماعيل من جنس ما يدعيه النصارى في المسيح، فهذا فداء يشرع ذبحه في الكفارات ونحوها، أما أي بشر فضلاً عن سيدنا إسماعيل عليه السلام فلا يكون ذبحه كفارة بحال. والله نسأل لنا ولجميع الأمم الهداية والتوفيق، وراجع الفتوى رقم: 30506.
والله أعلم.
‰09 ذو الحجة 1426
نام کتاب : فتاوى الشبكة الإسلامية نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 1 صفحه : 5599