نام کتاب : فتاوى الشبكة الإسلامية نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 1 صفحه : 3842
عدالة الصحابة الكرام وحكم انتقاصهم وتجريحهم
ƒـ[أيّ الفريقين أحقّ بالأمن إن كنتم تعلمون؟ إنّ الله سبحانه وتعالي قد جرّح الصحابة رضي الله عنهم أجمعين وأسقط اعتبار أقوالهم في معالم الدين في قضية الإفك من وجوه مختلفة.
1- شهادته سبحانه وتعالي عليهم بالکذب والافتراء لأنّه أنزل في شأن بعضهم: إنّ الذين جاءوا بالإفك عصبة منکم (النور: 11) وفي شأن عامّتهم: إذ تلقّونه بألسنتکم وتقولون بأفواهکم ما ليس لکم به علم وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم. {النور: 15} فإنّ الإفك وإن جاء به من ناحية عصبة منهم لکن عامّتهم قد تلقّوه بألسنتهم فلا يصحّ عند العاقل الذي يهتمّ بأمر دينه الوثوق بقولهم في معالم الدين لأنّ افتراء الزنا علي الأم بهتان عظيم ثقيل صعب علي الغياري ومع ذلک إنّ الله قد شهد في هذه الآيات بأنّ عامّة الصحابة رضي الله عنهم أجمعين قد قذفوا أمهم وزوج نبيّهم وافتروا عليها الزنا ولم يأبوا عن ذلك فکيف يثق العاقل بهم في دينه فإنّ الذين لا يأبون عن مثل ذلک البهتان العظيم وكان هذا الافتراء الصعب سهلا هيّناً عليهم لا يأبون أيضاً عن الکذب في نقل معالم الدين عن النبيّ.
2 – أنّ قوله تعالي: وتقولون بأفواهکم ما ليس لکم به علم. {النور: 15} يدلّ علي أنّ أنهم کانوا يتفوّهون بالكلم بلا علم ولا تثبّت فلا يمکن الوثوق بما رووا عن النبيّ إذ يحتمل في کل رواية منهم أنهم رووها بلا علم ودقّة وتثبّت وخاصة أنّ قوله تعالي وتحسبونه هينا يدلّ علي أنّ التفوّه بلا علم کان أمراً عادياً لهم سهلاً عليهم.
3 - إنّ الله يقول والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون. (النور:4) فهو سبحانه أمرنا في هذه الآية بأن لا نقبل أبداً شهادة من يرمي المحصنات ولم يأت بالشهداء، وهـکذا فعل عامّة الصحابة في قضية الإفك کما يدلّ عليه قوله تعالي «إذ تلقّونه بألسنتکم» فلا يجوز لنا شهادتهم أبداً فيما نقلوا من معالم الدين. إن قلت لعلّ الصحابة تابوا عن الإفک فيجوز قبول شهادتهم لقوله تعالي «إلّا الذين تابوا من بعد ذلک وأصلحوا فإنّ الله غفور رحيم» (النور /5) بعد الآية المذکورة قلت إنّه لا يوجد في آيات الإفك شيء يفهم منه وقوع التوبة منهم فصدور الإفك منهم يقيني ووقوع التوبة مشكوك ولا يرفع اليد عن اليقين بالمشكوك. فتحصل من هذه الآيات أن المؤمن لا يمكن أن يثق بعامّة الصحابة في معالم دينه ولا يجوز له أن يأخذ دينه عنهم إلا إذا ثبت عنده أنّ الصحابي الراوي لم يكن مندرجا تحت شمول هذه الآيات. إن قلت لو تركنا عامّتهم فممن نأخذ معالم ديننا؟ قلت انّ مرجع الأمّة بعد النبيّ صلى الله عليه وسلم في معالم الدين هو القرآن وأهل البيت لقول النبيّ في حديث الثقلين رواه أهل الحديث بالتواتر كما رواه مسلم في صحيحه عن زيد بن أرقم قال قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فينا خطيبا بماء يدعى خمّا بين مكة والمدينة ... قال أما بعد ألا أيّها الناس فإنّما بشر يوشك أن يأتي رسول ربّي فأجيب وأنا تارك فيكم ثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور ... ثم قال وأهل بيتي أذكّركم الله في أهل بيتي أذكّركم الله في أهل بيتي أذكّركم الله في أهل بيتي (كتاب فضائل الصحابة باب فضائل علي بن أبي طالب) وروى أحمد في مسنده عن زيد بن ثابت قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنّي تارك فيكم خليفتين كتاب الله ... وعترتي أهل بيتي وإنّهما لن يتفرقا حتى يردا عليّ الحوض (مسند أحمد ج هـ ص 185) وروى الحاكم في مستدركه عن زيد بن أرقم عن النبيّ ... قال أيها الناس إنّي تارك فيكم أمرين لن تضلّوا إن اتبعتموهما وهما كتاب الله وأهل بيتي عترتي (ج 3 ص 110) ... إلى غير ذلك من الروايات. فالنبيِ أحالنا بعد رحيله إلى كتاب الله وأهل بيته فالمسلم إن اتبع القرآن وأهل البيت لن يضلّ أبدا.]ـ
^الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالقول بأن الله تعالى جرح الصحابة وأسقط اعتبار أقوالهم قول باطل مصادم لما دل عليه الكتاب والسنة وأجمعت عليه الأمة من عدالة الصحابة وتزكيتهم, وهذا القول يخرج صاحبه من دين الإسلام جملة وتفصيلا, لأن القرآن الكريم لم ينقل إلينا إلا عن طريق الصحابة, فالقرآن جمعه زيد بن ثابت من صدور الصحابة ومما كتبوه في الصحف بأمر أبي بكر وعمر، وراجع عثمان الجمع الأخير وبمحضر من الصحابة ووزعه في خلافته على الأمصار, فالقرآن لم يجمعه علي رضي الله عنه وعن أهل البيت, والطعن في الناقل طعن وتشكيك في المنقول بلا أدنى ريب, ولا وجه للتفريق بين نقل القرآن ونقل السنة وغيرها, فنعوذ بالله من الخذلان والكفر بعد الإيمان, والاستدلال على ذلك الكذب بآيات سورة النور التي ذكرها السائل هداه الله هو في غاية الجهل والسخف ويدل على جهل مركب بكتاب الله تعالى , والرد على هذا الاستدلال من وجوه:
الأول: أن الآيات تتكلم عن العصبة التي جاءت بالإفك, والعصبة ثلاثة رجال؛ قاله ابن عباس , فالذين كذبوا ثلاثة منهم رأس المنافقين عبد الله بن سلول , فاتهموا عائشة بتهمة برأها الله منها ولا يزال كبار علماء المبتدعة يتلقونها بألسنتهم ويتهمون بها أم المؤمنين عائشة , ولولا خشية الإطالة لنقلنا من كتبهم ما يؤكد أنهم يسيرون على نهج المنافقين في اتهام أم المؤمنين, فأين الصحابة رضوان الله عنهم من هذه الفرية, ولا حول ولا قوة إلا بالله.
الثاني: أن الآيات تتكلم أيضا عن أفراد من المؤمنين أخذ بعضهم يروي لبعض ما قاله ذلك المنافق من غير تعقل, فأخذوا يرددون تلك التهمة ولم يبتدئوها من عندهم, ولم يقل الله إن عامة الصحابة خاضوا في ذلك ولا يوجد في الآية ما يدل على ذلك العموم المزعوم, والعموم له ألفاظ في لغة العرب تدل عليه, فقوله تعالى (تلقونه) (تقولون) هو خطاب لمن روى تلك الفرية على غيره.
على عدم قبول شهادة عامة الصحابة لأنهم في ظنه رموا عائشة ,هذا استدلال باطل والآية نفسها ترد عليه لأن الله أمر نبيه بجلد من فعل ذلك, ولا شك أن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ما أمر الله به, فهل جلد الرسول صلى الله عليه وسلم عامة الصحابة, الجواب لا قطعا, والروايات جاءت بأنه جلد ثلاثة رجال, وامرأة واحدة, فروت عمرة عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم لما نزلت هذه الآية حد أربعة نفر: عبد الله بن أبي وحسان بن ثابت ومسطح بن أثاثة وحمنة بنت جحش , أربعة فقط، وهذا دليل على طهر مجتمع الصحابة رضوان الله عليهم ونقائهم.
رابعا: أن الله تعالى أثنى على الصحابة قبل حادثة الإفك وبعدها, فحادثة الإفك وقعت في غزوة المريسيع في شعبان سنة 5 أو 6 من الهجرة, وقد أثنى الله عليهم في سورة الحشر التي نزلت في غزوة بني النضير سنة أربع من الهجرة وقال بعدما أثنى على المهاجرين والأنصار: وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ {الحشر:10} .
والسائل قطعا ليس من هؤلاء المذكورين في الآية لأن قلبه امتلأ غلا عليهم, والله أثنى على الصحابة بعد حادثة الإفك وذلك في صلح الحديبية في ذي القعدة سنة 6, وفي غزوة تبوك سنة 9 أنزل الله آيات تتلى إلى يوم القيامة في الثناء على الصحابة رضوان الله عليهم , قال الله تعالى في سورة الفتح التي نزلت عقب إبرام صلح الحديبية: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا. {الفتح: 29} .
فلا يغتاظ من الصحابة إلا كافر, وقال تعالى في سورة التوبة التي نزلت بعد غزوة تبوك: لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ.... {التوبة: 117}
وقد كان عددهم في غزوة تبوك ثلاثين ألف مقاتل, وقال تعالى في نفس السورة: وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ. {التوبة: 100}
وإننا في الختام ننصح السائل بالتوبة إلى الله تعالى وأن يكون من أهل آية الحشر التي ذكرناها آنفا.
والله أعلم.
‰02 ذو القعدة 1429
نام کتاب : فتاوى الشبكة الإسلامية نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 1 صفحه : 3842