ومع ذلك يجب الانتباه إلى وجود خلاف بين هذه الأشكال الثلاثة، فبينما تظهر عناصر المسيحية والبوذية العائدة للدين نفسها على أنها قصصات يمكن فرزها بسهولة، ودون ضرر بالنظام، لا يمكن مباشرة العمل ذاته فيما يتعلق بالعناصر الإيرانية؛ لأنها أجزاء أساسية بالفعل، فبإزالتها لا يبقى أي شيء عملي من إطار آراء "ماني" وعقائده، فكما سبق أن رأينا أن التركيب الأساسي للمانوية هو تركيب إيراني وليس إيرانيًّا صرفًا، بل زروانيًّا وذلك من وجهة نظر غمطوسية، فقد اعتبر "ماني" كلًّا من زرادشت وبوذا ويسوع أسلافًا له، كما جاء ذلك في كتاب (الآثار الباقية) للبيروني.
ومع ذلك، فإن زرادشت وحده هو مَن يستطيع بالفعل شغل هذا المنصب من بين هؤلاء السلف من حيث كونه ممثلًا لوجهة النظر الإيرانية، بينما يعطي الآخران انبطاعًا أنه قد تم انتقاؤهما لأسباب تكتيكية، وهناك أيضًا سمة خاصة تربط "ماني" بزرادشت الذي لم تكن شخصيته التاريخية معروفة لديه على الإطلاق، وهي روحنة دين، فتلك كانت نقطة الابتعاد عنه في النزعة، وأفكاره التجريدية المحولة إلى آلهة، وتبقى أيضًا معلقة بشكل دائم بين المجرد والمحسوس، هذا ومن المحتمل أيضًا أن نرى مفتاحًا لخليفة "ماني" في هذه الحالة لندع جانب المندعية، حيث وجدت هذه النزعة ذاتها، فإنه من الثابت أن الغمطوسية الإيرانية اليهودية في إيران الغربية الشمالية، وفي بلاد الرافدين الشمالية، قد استخدمت عددًا وطرائق من التعبير وجدت فقط في المندعية والمانوية.
هذا وأن تسمية الإله باسم إله العظمة، وصيغة الأطوار الثلاثة التي تتحدث عن الماضي والحاضر والمستقبل تستحق ذكرًا خاصًّا في هذا المجال. هكذا نكون قد أتينا على العقيدة المانوية.