لاستصفاء أجناس النور من أجزاء الظلمة، فالشمس تستصفي النور الذي امتزج بشياطين الحر، والقمر يستصفي النور الذي امتزج بشياطين البرد، والنسيم الذي في الأرض لا يزال يرتفع؛ لأن من شأنها الارتفاع إلى عالمها، وكذلك جميع أجزاء النور أبدًا في الصعود والارتفاع، وأجزاء الظلمة أبدًا في النزول والتسفل حتى تتخلص الأجزاء من الأجزاء، ويبطل الامتزاج، وتنحل التراكيب، ويصل كل إلى كله وعالمه، وذلك هو القيامة والميعاد.
ومما يعين في التخليص والتمييز ورفع أجزاء النور التسبيح والتقديس والكلام الطيب وأعمال البر، فترتفع بذلك الأجزاء النورية في عمود الصبح إلى فلك القمر، ولا يزال القمر يقبل ذلك من أول الشهر إلى نصفه فيمتلئ فيسير بدرًا، ثم يؤدي إلى الشمس إلى آخر الشهر، وتدفع الشمس إلى نور فوقها، فيسري ذلك في العالم إلى أن يصل إلى النور الأعلى الخالص، ولا يزال يفعل ذلك حتى لا يبقى من أجزاء النور شيء في هذا العالم إلا قدر يسير منعقد، لا تقدر الشمس والقمر على استصفائة؛ فعند ذلك يرتفع الملك الذي يحمل الأرض ويدع الملك الذي يجذب السموات، فيسقط الأعلى على الأسفل، ثم توقد نار حتى يضرم الأعلى والأسفل، ولا تزال تطرم حتى يتحلل ما فيها من النور، وتكون مدة الاضطرام ألفًا وأربعمائة مائة وثمانيًا وستين سنة، إلى آخر هذه التدخلات العقلية البشرية التي تُنزل العقيدة الصحيحة من عليائها إلى فلسفة لا تصلح إلا لزمانها، وقد لا تصلح معه إلا زمنًا يسيرًا، ومع بعض العقول السازجة الضعيفة مما يدل على صحة اتجاهنا الذي يؤكد رجعية هذه المعتقدات، وتخلفها بعد نقاء الوحي وسموه.