يحرص الجينيون بالغ الحرص على الحياة لكل حشرة وكل دابة، ثم يجعلون انتحار الرهبان جوعًا قربة من القربات مهما قيل من الأسباب، فإني أراه إيذاءً للإنسان وقضاء على حياته، مع أن الجينية لا تُلحق الأذى بأحد ولا تقر القضاء على الحياة، ويظل تساؤلنا هذا قائمًا، مع تذكرنا أنهم يعملون ذلك رغبة في الخلود أو النجاة أو نتيجة للخمود والجمود.
ولنعد للعامة من الجينيين هؤلاء لا يلزمهم أن يقوموا بكل هذه المناسك والسبل، ولكن عليهم أن يقوموا ببعضها في حدود طاقتهم، فعليهم ألا يوقعوا الأذى بإنسان أو حيوان، وعليهم ألا يقتلوا النفس وألا يأكلوا اللحم، وأن يقهروا رغباتهم؛ ولكن ليست لا إلى درجة الجمود والخمود والذبول التي يتبعها الرهبان.
فلسفة الجينية من كتبهم المقدسة: المصادر المقدمة لدى الجينيين هي خطب مهاوير ووصاياه، ثم الخطب والوصايا المنسوبة للمريدين والعرفاء والرهبان والنساك الجينيين، وقد انتقل هذا التراث المقدس من جيل إلى جيل، عن طريق المشافهة ثم خيف ضياع هذا التراث أو ضياع بعضه أو اختلاطه بغيره، فاتجهت النية إلى جمعه وكتابته، واجتمع لذلك زعماء الجينية في القرن الرابع قبل الميلاد في مدينة بطلي بترا، وتدارسوا هذا الأمر وجمع بعض هذا التراث في عدة أسفار؛ ولكنهم اختلفوا بعضهم على بعض في بعض المصادر، كما لم ينجحوا في جمع الناس حول ما اتفقوا عليه؛ ولذلك تأجلت كتابة القانون الجيني حتى سنة سبع وخمسين ميلاديا، فدونوا آنذاك ما استطاعوا الحصول عليه بعد أن فُقد كثير من هذا التراث بوافاة الحفاظ والعارفين.