وكان مولد مهاوير سنة خمسمائة وتسع وتسعين قبل الميلاد، وفي اليوم الثاني عشر لولادته اجتمع أعضاء الأسرة في حفل كبير، ودعيت عمت الطفل لتختار له اسمًا كالعادة غير أن والديه ذكرا أن الأسرة نعمت بالرخاء والخير منذ حملت به أمه، واقترح لذلك أن يسمى ورد هاماتا، أي: الزيادة؛ ولكن أتباعه يدعونه مهاوير مدعين أنه الاسم الذي اختارته له الآلهة، ومعناه: البطل العظيم، ويدعى كذلك جينى، أي: القاهر والتغلب، وبهذا الوصف سميت الفرقة كلها، وسميت به الديانة الجينية؛ لأن مؤسسيها عُرفوا بقهر شهواتهم والتغلب على رغباتهم المادية.
ونشأ مهاوير في بيته المجيد وسط الرخاء وطيب العيش، وكانت أسرته تستقبل من حين لآخر وفود الرهبان، وجماعات النساك؛ حيث يجدون في دار الأمير إقامة طيبة وحسن ترحيب، وكان مهاوير منذ نعومة أظفاره يحب مجالستهم ويستمع إلى حكمهم، وإرشاداتهم، وتأثر مهاوير بهم وبفلسفاتهم؛ فعزف عن المتع والملاذ الدنيوية، ومال إلى الرهبانية والتبتل والزهد، ولكن الظروف لم تكن تسمح له بالتعمق في الرهبنة، والخوض في الزهد؛ نظرًا لمكانة أسرته التي كانت ترعى شئون السياسة والنضال، وتعيش في الترف والبزخ، ودفعته حياة أسرته إلى الزواج، فتزوج بفتاة اسمها ياسودا وولدت له بنتًا اسمها أبوجا، وظل مهاوير طيلة حياة والديه يكبت إحساسه وشوقه للرهبنة، ويعيش في الظاهر كما يعيش أبناء طائفته، وينطوي باطنة على رغبة في الزهد والصفاء، فلما توفي والداه أتيحت له الفرصة ليعلن ما أخفى، وكان أخوه الأمير قد تولى الإمارة فطلب منه مهاوير أن يأذن له في الرهبنة، ولكن الأمير خشي أن يظن الناس أن تصرف مهاوي كان نتيجة لقسوة أخيه عليه، أو تقصيره في مطالبه، فطلب الأمير من مهاوير أن يؤجل ذلك عامًا فاستجاب له مهاوير.