وغناءٍ ألقى "سذهاتا" نظرتهم نظرة أخيرة على زوجته وطفله، وتسلل من القصر، وامتطى جواده، وانطلق إلى مرحلة جديدة، وكان سنه آنذاك تسعة وعشرين سنة، سار "سذهاتا" في تلك الليلة شقة بعيدة، حتى إذا أسفر الصبح توقف خارج أراضي عشيرته على ضفة نهر رملية، وهناك ترجل، وقطع بسيفه ذوائبه المتهدلة، وأماط عنه كل حلية، وأرسلها مع حصانه وسيفه إلى منزله، ثم واصل سيره حتى التقى براهبين من البراهمة فبقي معهما، وتتلمذ عليهما، وأراد عن طريقهما أن يصل إلى غايته.
ولكن بعد فترة تأكد له أن ما يعيشان فيه من زهادة، وتقشف شيء مقصود لذاته، كأنها الغاية التي يتطلعان إليها، وكان "سذهاتا" يريد الزهادة وسيلة لمعرفة أسرار الكون، ولذلك هجرهما "سذهاتا" وقرر أن يسعى بنفسه إلى نيل المعرفة، وكشف أسرار الكون، وقد سلك من أجل هذا وسائل متعددة كالتصوف، والفلسفة، ثم انجذب نحو دنيا الرهبنة فبدأ حياة الترهب؛ لذلك يحسن بنا في هذه المرحلة من حياته أن نسميه "غوتاما" أي: الراهب، أو "غوتاما" أسير الفلسفة الهندية.
وقبل أن نسترسل في هذه المرحلة من حياة "سذهاتا" يحسن بنا أن نتساءل لماذا اتجهت فلسفة "غوتاما" إلى الآلام والأشجان، حتى أصبحت الحياة كلها في نظره جحيمًا لا يُطاق ونسي ما في الحياة من معروف وخير وتخفيف ضر وتحقيق أمل، ثم لماذا اتخذ التقشف والانقطاع، والتبتل سبيلًا للوصول إلى كشف الحجاب عنه؟ كل هذه الأسئلة تدفع الباحث إلى الاعتقاد أن "غوتاما" كان على الأقل في هذه الفترة أسير الفلسفة الهندوسية، قرأها، وعرف اتجاهاتها، وتأثر بميولها إلى العزلة، والزهد والانقطاع عن الناس بتفكير، أو بدون تفكير، فلما رأى "غوتاما" منظر المرض، والشيخوخة، وجثة الميت ضعف دافع المقاومة في نفسه، ورجح عنده الميل إلى سلوك نفس الطريق الذي سلكه الهندوس من قبل.