وذكر ابن عبد البر أيضا عنه أنه كان يتعوذ بالله من فتنة المشرق، فقيل له فكيف فتنة المغرب؟ قال: «تلك أعظم وأعظم».
وهذا الأثر له حكم المرفوع لأنه إخبار عن أمر غيبي فلا يقال من قبل الرأي وإنما يقال عن توقيف.
والواقع يشهد لهذا الأثر بالصحة فإن الفتن أول ما ظهرت في هذه الأمة ظهرت من قبل المشرق، ومن أعظمها شرا فتنة الجهمية والرافضة، وأما في زماننا فظهور الفتن من قبل المغرب أكثر، وذلك بسبب استيلاء بعض الدول الإفرنجية على أكثر الممالك الإسلامية، وبثهم فيها ثقافتهم المشؤومة وتعاليمهم المسمومة، فكان لهذه الثقافة والتعاليم أسوأ الأثر في تلك البلاد بحيث فسدت عقائد الأكثرين منهم، وظهرت فيهم الزندقة والإلحاد والاستهزاء بالعلوم الدينية وأهلها، وتعظيم ما يلقيه أعداء الله إليهم من ظنونهم وتخرصاتهم التي هي من وحي الشيطان وتضليله.
ومن تأمل ما دخل على المسلمين من الشر بسبب الفتن المشرقية، وما دخل عليهم من الشر بسبب الفتن المغربية - تبين له أن فتنة المغرب أعظم شرًا من فتنة المشرق، وأشد نكاية في هدم الإسلام وطمس أعلامه وإطفاء نوره، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
فإن قيل أن أهل الهيئة الجديدة قد توصلوا إلى معرفة الأجرام السماوية وما تحويه بواسطة أرصادهم ونظاراتهم فيكون ذلك من قبيل المشاهدة، لا من قبيل الظن والتخرض وتعاطي علم الغيب.
فالجواب: أن يقال أن أرصاد أعداء الله ونظاراتهم أضعف وأعجز من أن يتوصل بها إلى اكتشاف ما في السماء الدنيا وهي مسيرة خمسمائة سنة فضلا