إلى أن يكفروا بكتب الله ورسله ودينه، وفريق أخذوا يطلبون الجزاء من الله كما يطلبه الأجير من المستأجر متكلين على حولهم وقوتهم وعملهم، وكما يطلبه المماليك، وهؤلاء جهال ضلال فإن الله لم يأمر العباد بما أمرهم به حاجة إليه، ولا نهاهم عما نهاهم عنه بخلا به. ولكن أمرهم بما فيه صلاحهم ونهاهم عما فيه فسادهم، وهو سبحانه كما قال: «يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني» فالملك إذا أمر مملوكيه بأمر أمرهم لحاجته إليهم وهم فعلوه بقوتهم التي لم يخلقها لهم فيطالبون بجزاء ذلك، والله تعالى غني عن العالمين.
فإن أحسنوا أحسنوا لأنفسهم وإن أساءوا فعليها، لهم ما كسبوا وعليهم ما اكتسبوا {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} - إلى أن قال - فمن أعرض عن الأمر والنهي والوعد والوعيد ناظرًا إلى القدر فقد ضل، بل المؤمن كما قال تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} فنعبده اتباعا للأمر ونستعينه إيمانا بالقدر، فمن ظن أنه يطيع الله بلا معونته كما يزعم القدرية والمجوسية فقد جحد قدرة الله التامة ومشيئته النافذة وخلقه لكل شيء.
ومن ظن أنه إذا أعين على ما يريد ويسر له ذلك كان محمودًا سواء وافق الأمر الشرعي أو خالفه فقد جحد دين الله وكذب بكتبه ورسله ووعده ووعيده واستحق من غضبه وعقابه أعظم مما يستحقه الأول، فإن العبد قد يريد ما يرضاه ويحبه ويأمر به ويقرب إليه، وقد يريد ما يبغضه الله ويكرهه ويسخطه وينهى عنه ويعذب صاحبه، فكل من هذين قد يسر له ذلك كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «كل ميسر لما خلق له أما من كان من أهل السعادة فسييسر لعمل أهل السعادة وأما من كان من أهل الشقاء فسييسر لعمل