نام کتاب : موسوعة المذاهب الفكرية المعاصرة - الدرر السنية نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 1 صفحه : 287
وصاروا ينظرون إلى الشرك وأهله بعين الاحتقار والازدراء والرحمة لحال المشركين أن يموتوا على شركهم فكانوا يذهبون إلى القباب وإلى الأصنام فيهدمونها ويكسرونها دون خوف أو وجل يا عزى لا عزى لك إني رأيت الله قد هانك، واتجهوا إلى عبادة خالقهم وحده فارتاحت نفوسهم من تشتت الفكر وعبادة الأرباب المتشاكسين والخوف من أصحاب القبور والجن والسحرة والمشعوذين وحققوا التوكل على الله فكفاهم الله كل ما يخيفهم أو يحزنهم لا تزيدهم الشدائد إلا صلابة: الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللهِ وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ [آل عمران:174].
وصار فخرهم بالإسلام وحده بعد أن كان فخرهم بأمجادهم الجاهلية وبآبائهم وقبائلهم وغير ذلك من المفاخر الجاهلية وصار شعارهم:
أبي الإسلام لا أب لي سواه ... إذا افتخروا بقيس أو تميم
وصارت مراقبة الله تعالى نصب أعينهم في بيعهم وشرائهم وجميع معاملاتهم لا ربا ولا غش ولا فجور ولا ظلم ولا سوء خلق.
فهل توجد هذه الأخلاق في القوميات؟ هيهات هيهات وهل يتصور القوميون أن العودة إلى تلك الحال المظلمة للجاهلية هو الذي سيجمع شمل المسلمين – والعرب خصوصا – وأنه سيكون منهم أمة ذات حضارة وسيادة تحت مظلة القومية البالية؟!
وأما غير العرب فإن الأتراك أقرب مثال لنكسة القومية لهم حينما فشت فيهم نخوة القومية الجاهلية ماذا كانت النتيجة لقد تفرقوا وفتر نشاطهم في حرب أعداء الإسلام بل وضعفوا واستكانوا وهانوا على الدول الغربية إلى يومنا الحاضر حيث يطلب حكامها الدخول في المنظمة الأوروبية ومع ذلك يتجاهل الغرب مطالبهم في احتقار لا يحتمله الأحرار دون أن يتذكروا ماضيهم في ظل الإسلام وكيف كانوا سادة كثير من بلدان العالم وقادتهم يحسب لهم أعداؤهم ألف حساب قبل التفكير في التنغيص عليهم ولو بأدنى اعتداء.
ذهب بعض دعاة القومية إلى ابتكار حيل وتلفيق شبهات كاذبة مفادها أنه لا فرق بين الالتزام بالقومية والالتزام بالدين وأنه لا تعارض بينهما مادام الشخص متمسكا بدينه وبعروبته أيا كان دينه مسلم أو نصراني إذ اسم العروبة يجمعهم.
ثم زعموا أن النبي صلى الله عليه وسلم وحد العرب تحت راية العروبة وأوجب على كل مسلم أن يستشعر القومية العربية قبل كل شيء وأن جهاده في نشر الإسلام هو نشر كذلك لسيادة القومية العربية.
ومن أدلتهم الباطلة على هذا الزعم قول الله تعالى: مَا كَانَ لأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُم مِّنَ الأَعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُواْ عَن رَّسُولِ اللهِ وَلاَ يَرْغَبُواْ بِأَنفُسِهِمْ عَن نَّفْسِهِ [التوبة:120]، لأن واجب العروبة يحتم عليهم الوفاء لهذا النبي العربي ومثلها الآيات الأخرى التي فيها التشهير بالمتخلفين من الأعراب عن الجهاد في سبيل الله الذي هو جهاد في سبيل رفع راية العروبة أيضا؟!
ومما استدلوا به كذلك من القرآن الكريم قوله تعالى: إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [يوسف:2]، وقوله تعالى: وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا [الرعد:37]، وقوله تعالى: إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا [الزخرف:3].
وكل هذه الآيات في خيالهم السقيم دعوة إلى تمجيد العربية والعروبة ويجعلون جهاد أولئك الميامين إنما كان لنصرة العروبة لإيمانهم بها ومعنى كلامهم أن انتصار الإسلام هو انتصار للعروبة بل هي هدف من الأهداف المهمة التي كانت في ذهن الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه حسب زعم دعاة القومية العربية المفترين.
واستدلالهم بما تقدم إنما هو من باب أن الغريق بكل حبل يمسك فالنصوص في واد وفهمهم لها في واد آخر وهل يليق وصفهم للرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام بأنهم كانوا يهدفون إلى تقوية العرب؟ فلماذا حاربوهم إذا كان كلام دعاة القومية صحيحا.
¤المذاهب الفكرية المعاصرة لغالب عواجي 2/ 936
نام کتاب : موسوعة المذاهب الفكرية المعاصرة - الدرر السنية نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 1 صفحه : 287