في (المحتسب): روي عن عمر أنه سمع رجلا يقرأ "عتى حين" (يوسف: 35) فقال: من أقرأك؟ قال الرجل: ابن مسعود، فكتب إليه عمر: إن الله -عز وجل- أنزل هذا القرآن فجعله عربيًّا، وأنزله بلغة قريش، فأقرئ الناس بلغة قريش، ولا تقرئهم بلغة هذيل، والسلام" انتهى. ووجه الاستشهاد بهذه القصة أن الحاء لم تُقلب عينا في كلمة {حِينٍ}، وهي مجاورة لكلمة {حَتَّى}، ولو كانت الفحفحة قلب الحاء عينًا مطلقًا؛ لقلبت في الكلمتين، فلما لم تقلب إلا في كلمة {حَتَّى} دلَّ ذلك على أن هذا الإبدال خاص بها دون غيرها.
خامسًا: الوَكْم، وهو مصدر وَكَم يَكِم كوعد، يقال: هم يكمون الكلام أي: يقولون: السلام عليكِم بكسر الكاف، والمراد بهذه اللغة كسر الكاف من ضمير المخاطب المتصل كم، إذا كان هذا الضمير مسبوقًا بكسرة أو ياء، فيقال: بِكِم، وعليكم بكسر الكاف فيهما، وكأنهم كانوا يرون في ذلك مناسبة كما هو ظاهر. وعامة العرب تضم الكاف، وقد نسبت لغة الكسر إلى ربيعة وقوم من كلب، ونسبها سيبويه إلى قوم من بكر بن وائل، ووصف هذه اللغة بالرداءة، فقال في (الكتاب): "وقال ناس من بكر بن وائل: مِن أحلامكم، وبكم شبهها -أي: الكاف- بالهاء؛ لأنها عَلَم إضمار، وقد وقعت بعد الكسرة، فأتبع الكسرة الكسرة؛ حيث كانت حرف إضمار، وكانت أخف عليهم من أن يضم بعد أن يكسر، وهي رديئة جدًّا، سمعنا أهل هذه اللغة يقولون: قال الحطيئة:
وإن قال مولاهم على جُل حادث ... من الدهر ردوا فضل أحلامكِم ردوا
يمدح آل قريع، وهم حي من تميم، والمولى هنا ابن العم، وجل حادث أي: حادث جليل، والمعنى: إذا احتاج المولى إليهم عادوا عليه بفضل حلومهم، ولم يخذلوه، والشاهد فيه: كسر الكاف من أحلامكم تشبيهًا لها بهاء أحلامهم؛