كما أن هل كذلك، إلا أنك إذا استعملت أنت شيئًا من ذلك؛ فالوجه أن تحمله على ما كثُر استعماله، وهو اللغة الحجازية، ألا ترى أن القرآن بها نزل" انتهى.
ومعنى ما ذكره ابن جني: أن على المتكلم أن يتكلم بلغة الحجاز، لأنها اللغة التي كثر استعمالها، إلا أن هذا الحكم ليس على إطلاقه، وإنما هو حكم مقيد بقيد، وهو أن تستوفي ما شروط إعمالها عند الحجازيين، وهي مراعاة الترتيب بين اسمها وخبرها؛ بأن يكون اسمها متقدمًا وخبرها متأخرًا، وألا يتقدم معمول الخبر وهو غير ظرف ولا مجرور، وألا ينتقض النفي بإلا. فإن فقد شرط من هذه الشروط، أهملت ما وهو القياس. وقد نقل السيوطي في (الاقتراح) عن ابن جني قوله: "فمتى رابك في الحجازية ريب من تقديم خبر، أو نقض النفي، فزعت إذ ذاك إلى التميمية، فكأنك من الحجازية على حَرْد، وإن كثرت في النظم والنثر" انتهى.
وقوله: "فكأنك من الحجازية على حرد" يعني: كأن المتكلم بها غير مطمئنٍّ إليها؛ لضعف قياسها بالنسبة لقياس التميمية، فهو يتهيَّأ الفرصة؛ ليخرج منها عند اختلال شرط من شروط إعمالها، لأن ذلك هو القياس، أو كأنه على المنع لها، والتحرج منها، وقد يكون الأصل: فكأنك من الحجازية على حرف، كما ذكر المحقق -رحمة الله ورضوانه عليه. وإنما وجب الرجوع حينئذ إلى التميمية لأنها القياس، ولأنه لا معارض للقياس لفقد شرط المعارضة. ونلحظ أن ابن جني قد عبَّر بالفعل فزع ليدل به على وجوب الإسراع والمبادرة، فليس للمتكلم أن يختار، يقال: فزع إلى الأمر كفرح أي: بادر إليه وأسرع، وأصله المبادرة إلى النصرة والإغاثة، ثم تجاوزوا به ذلك إلى مطلق المبادرة، وإنما يجب عليه أن يُسرع ويُبادر إلى لغة تميم؛ لأنها القياس.