أننا لو قلنا بعدم جواز الإجارة على فعل الجراحة، لأدى ذلك إلى الحرج والمشقة؛ لقلة من يفعلها من الأطباء بدون مقابل، وكل من الحرج والمشقة منتف في الشرع، فوجب انتفاء موجبها [1].
لهذه الأدلة النقلية والعقلية ذهب الفقهاء -رحمهم الله- إلى جواز الإجارة على الجراحة، فقد نصوا في كتبهم على جواز الإجارة على صورها المعروفة في زمانهم كجراحة الختان والفصد، وقلع السن الوجعة، وقطع اليد المتآكلة [2]، ووقع خلاف بينهم في حكم الإجارة على نوع واحد منها وهو الحجامة هل تصح الإجارة عليها أم لا؟ وبيان خلافهم في ذلك يتضح في المسألة التالية:
مسألة: هل تجوز الإجارة على الحجامة؟.
اختلف أهل العلم -رحمهم الله- في هذه المسألة على ثلاثة أقوال:
القول الأول:
تجوز الإجارة على الحجامة، ويكره للحر أكل ثمنها. وهو مذهب الحنابلة [3]. [1] قرر الإمام العز بن عبد السلام -رحمه الله- أن الطب من جملة المنافع التي لو لم يحكم بجواز الإجارة عليها هلك الناس. انظر كتاب قواعد الأحكام 2/ 69، 70. [2] انظر على سبيل المثال المصادر الآتية: حاشية ابن عابدين 5/ 68، بدائع الصنائع للكاساني 4/ 184، 189، 194، الكافي لابن عبد البر 2/ 756، مغني المحتاج للشربيني 2/ 324، نهاية المحتاج للرملي 5/ 270، كشاف القناع للبهوتي 4/ 9، المغني والشرح الكبير لابن قدامة 6/ 121, المبدع لابن مفلح 5/ 92. [3] المغني والشرح الكبير لابن قدامة 6/ 121، 123، الإنصاف للمرداوي 6/ 47، 48.