وفُهم من مجموع الشريعة الإذن في دفعها على الإطلاق ... بل أذن في التحرر منها عند توقعها وإن لم تقع تكملة لمقصود العبد وتوسعة عليه ... " ثم ذكر الأمثلة على النوعين فقال: "ومن ذلك الإذن في دفع ألم الجوع والعطش والحر والبرد، وفي التداوي عند وقوع الأمراض، وفي التوقي من كل مؤذ آدميًا كان أو غيره، والتحرز من المتوقعات حتى يقدم العدة لها" [1] اهـ.
فقد بين -رحمه الله- بقوله: "وفُهم من مجموع الشريعة الإذن في دفعها على الإطلاق .. " أن دفع ضرر الآلام عن المكلف مأذون به شرعاً، فدخل فيه النوع الأول من الجراحة العلاجية الحاجية المشتمل على دفع ضرر الآلام الموجودة في الأمراض والحالات الجراحية التي ينتظمها.
كما بين -رحمه الله- بقوله: "بل أذن في التحرز منها عند توقعها، وإن لم تقع ... ": أن الشريعة أذنت في تعاطي الأسباب الموجبة لحفظ العبد من ضرر الآلام المتوقعة، وأكد ذلك بقوله بعده في معرض التمثيل: "وفي التوقي من كل مؤذ آدمياً كان أو غيره".
فقوله: "من كل مؤذ" عام شامل لكل ما يصدق عليه أنه مؤذ، والأمراض والحالات الجراحية التي ينتظمها النوع الثاني من الجراحة العلاجية الحاجية يصدق عليها هذا الوصف، لأنها ستضر المريض وتؤذيه مستقبلاً، وستترتب عليها مضاعفات خطيرة، فيشرع للمكلف السعي في دفع مشقتها المتوقعة بفعل الجراحة اللازمة لعلاجها.
والألم المؤذي يعتبر مشقة موجبة للإذن بفعل الجراحة، ولذلك نجد بعض الفقهاء -رحمهم الله- ينصون في كتبهم على جواز فعل الجراحة دفعًا لمشقته. [1] الموافقات للشاطبي 2/ 102.