ذلك التقديم ويترتب عليه من الآلام الزائلة.
ثم إن مفسدة الآلام المعترض بها غير مقصودة من قبل الطبيب الجراح، وإنما المقصود حصول المصالح المترتبة على فعل الجراحة فسقط اعتبار تلك المفسدة لأنه لم يتمحض قصدها، وإنما جاءت على سبيل اللزوم.
قال الإمام الشاطبي [1] -رحمه الله-: "لا يمنع قصد الطبيب لسقي الدواء المر، وقطع الأعضاء المتآكلة، وقلع الأضراس الوجعة وبط الجراحات، وأن يحمي المريض ما يشتهيه، وإن كان يلزم منه إذاية المريض، لأن المقصود إنما هو المصلحة التي هي أعظم وأشد في المراعاة من مفسدة الإيذاء التي هي بطريق اللزوم، وهذا شأن الشريعة أبدًا" [2] اهـ.
فتبين من هذا كله عدم تأثير هذه المفاسد، نظرًا للمصالح العظيمة المترتبة على فعل موجبها ... والله تعالى أعلم.
* * * [1] هو الإمام أبو إسحاق إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الغرناطي المالكي الشهير بالشاطبي، محدث فقيه أصولي لغوي، مفسر، توفي -رحمه الله- في شعبان سنة 790 من الهجرة وله مؤلفات منها: عنوان التعريف بأسرار التكليف في الأصول، الموافقات في أصول الأحكام، الاعتصام. معجم المؤلفين لكحالة 1/ 118، 119. [2] الموافقات للشاطبي 2/ 127.