لمسلم: ((البئر جرحها جبار، والمعدن جرحه جبار، والعجماء جرحها جبارٌ وفي الركاز الخمس)) [1]. (2)
والخمس يجب في قليله وكثيره من أي نوع كان من غير حول لذلك، ويجب على كل من وجده من أهل الزكاة وغيرهم [3]. [1] متفق عليه: البخاري، كتاب الزكاة، بابٌ: وفي الركاز الخمس، برقم 1499، وكتاب المسافاة، باب من حفر بئراً في مِلكه لم يضمن، برقم 2355، وكتاب الديات، بابٌ: المعدن جبار والبئر جبار، برقم 6912، ورقم 6913، ومسلم، كتاب الحدود، باب جرح العجماء والمعدن والبئر جبار، برقم 1710.
(2) العجماء: البهيمة، والجبار: الهدر، وكذلك المعدن والبئر، إذا هلك الأجير فيهما فدمه هدر لا يطالب به: جامع الأصول لابن الأثير، 4/ 621. [3] قال الإمام ابن قدامة رحمه الله: ((وفي الركاز الخمس)): وهو أيضاً مجمع عليه، قال ابن المنذر: لا نعلم أحداً خالف هذا الحديث، إلا الحسن؛ فإنه فرق بين ما يوجد في أرض الحرب وأرض العرب، فقال: فيما يوجد في أرض الحرب الخمس وفيما يوجد في أرض العرب الزكاة، وأوجب الخمس في الجميع الزهري، والشافعي، وأبو حنيفة، وأصحابه، وأبو ثور، وابن المنذر، وغيرهم، وهذا يشتمل على خمس مسائل:
المسألة الأولى: أن الركاز الذي يتعلق به وجوب الخمس ما كان من دفن الجاهلية، ويعتبر ذلك بأن ترى عليه علاماتهم، كأسماء ملوكهم وصورهم، وصلبهم، ونحو ذلك، فإن كان عليه علامات الإسلام، ونحو ذلك فهو لقطة؛ لأنه ملك مسلم لم يعلم زواله عنه، وهذا قول مالك، والشافعي، وأحمد، وإن كان على بعضه علامات الكفر، وعلى بعضه علامات الإسلام، فكذلك نص عليه أحمد في رواية ابن منصور؛ لأن الظاهر أنه صار إلى مسلم، ولم يعلم زواله عن ملك المسلمين فأشبه ما على جميعه علامات المسلمين.
المسألة الثانية: في موضعه: لا يخلو من أربعة أقسام:
القسم الأول: أن يجده في موات أو ما لا يعلم له مالك مثل الأرض التي يوجد فيها آثار الملك: كالأبنية القديمة، والتلول، وجدران الجاهلية، وقبورهم فهذا فيه الخمس بغير خلاف سوى ما ذكر آنفاً، ولو وجده في هذه الأرض فهو كذلك في الحكم؛ لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال في كنز وجده رجل في خربة ((إن وجدته في قرية مسكونة فعرفه، وإن وجدته في قرية غير مسكونة ففيه وفي الركاز الخمس)) قال الحافظ ابن حجر في بلوغ المرام: ((أخرجه ابن ماجه بإسناد حسن)). وأخرجه الشافعي في ترتيب مسنده، 1/ 248.
القسم الثاني: أن يجده في ملكه المنتقل إليه فهو له في إحدى الروايتين عن أحمد، ومذهب الشافعي أنه للمالك قبله إن اعترف به، وإن لم يعترف به فهو للذي قبله كذلك إلى أول مالك، والرواية الأولى لأحمد أصح.
القسم الثالث: أن يجده في ملك آدمي مسلم معصوم أو ذمي، فعن أحمد ما يدل على أنه لصاحب الدار، وهو قول أبي حنيفة، ونقل عن أحمد: أنه لواجده، قال القاضي: وهو الصحيح.
القسم الرابع: أن يجده في أرض الحرب؛ فإن لم يقدر عليه إلا بجماعة من المسلمين فهو غنيمة لهم، وإن قدر عليه بنفسه فهو لواجده.
المسألة الثالثة: في صفة الركاز الذي فيه الخمس: وهو كل ما كان مالاً على اختلاف أنواعه: من الذهب، والفضة، والحديد، والرصاص، والنحاس، والآنية، وغير ذلك، وهو قول: أحمد، وأصحاب الرأي، وإسحاق، وإحدى الروايتين عن مالك، وأحد قولي الشافعي. والقول الآخر: لا تجب إلا في الأثمان، ولكن يرد عليهم بقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((وفي الركاز الخمس))؛ ولأنه مال مظهور عليه من مال الكفار فوجب فيه الخمس مع اختلاف أنواعه كالغنيمة. والخمس يجب في قليله وكثيره، وهو قول أحمد، ومالك، وأصحاب الرأي، والشافعي في القديم، وقال في الجديد يعتبر النصاب فيه؛ لكن يرد عليه بعموم الأحاديث؛ ولأنه مال مخموس فلا يعتبر له نصاب كالغنيمة.
المسألة الرابعة: قدر الواجب في الركاز الخمس، وأما مصرفه، فقال الخرقي: هو لأهل الصدقات، ونص عليه أحمد في رواية، وإن تصدق به على المساكين أجزأه، وهو قول الشافعي؛ لأنه مستفاد من الأرض أشبه المعدن والزرع، والرواية الثانية أن مصرفه مصرف الفيء، وهو قول أبي حنيفة.
المسألة الخامسة: في من يجب عليه الخمس: يجب على من وجده من مسلم، وذمي، وعاقل ومجنون، وهذا قول أكثر أهل العلم، قال ابن المنذر: ((أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم، على أن على الذمي في الركاز يجده: الخمس))، وقال الشافعي: لا يجب الخمس على من تجب عليه الزكاة؛ لأنه زكاة، ولكن يرد بعموم الحديث ((وفي الركاز الخمس)) فإنه يدل بعمومه على وجوب الخمس في كل ركاز يوجد، ويدل بمفهومه على أن باقيه لواجده. والله تعالى أعلم. [انظر: المغني لابن قدامة 4/ 231 - 238، والشرح الكبير مع المقنع والإنصاف 6/ 587 - 603].
وسمعت شيخنا الإمام عبد العزيز ابن باز رحمه الله يقول أثناء تقريره على بلوغ المرام، الحديث رقم 643: (( ... فتجب الزكاة في الركاز الخمس، ولما كان الحصول على الركاز بدون كلفة صارت الزكاة الخمس، وهو أعلى شيء في الزكاة، ثم يليه ما يكون عثرياً، وما يسقى بالأنهار بدون كلفة ففيه العشر وهو نصف الخمس، والركاز: هو الذي عليه علامات الجاهلية، أما ما عليه علامات الإسلام فلابد من تعريفه؛ لأنه: كاللقطة، حكمه حكمها)).