المنافقون: إن الله لغني عن صدقة هذا، وما فعل هذا الآخر إلا رياءً، فنزلت: {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ} [1]. وفي هذا الحديث من الفوائد: التحريض على الاعتناء بالصدقة، وأن المسلم إذا لم يكن له مال يتوصل
إلى تحصيل ما يتصدق به: من حملٍ، أو غيره من الأسباب [2]، وفيه أنه لا ينبغي أن تحتقر الصدقة بالقليل، ولا يعاب على من تصدق بما يستطيع ولو كان قليلاً، وأن من عاب عليه يتصف بصفة من صفات المنافقين، وفيه فضل الصحابة - رضي الله عنهم -، وحرصهم على الخير، حتى بالحمل على ظهورهم؛ ليتصدقوا بذلك.
4 - المسارعة والمسابقة في إخراج الصدقة؛ للأحاديث الآتية: الحديث الأول: حديث عتبة بن الحارث - رضي الله عنه -، قال: صليت وراء النبي - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة العصر، فسلم، ثم قام مسرعاً، فتخطى رقاب الناس إلى بعض حُجر نسائه، ففزِعَ الناسُ من سرعته، فخرج عليهم، فرأى أنهم عجبوا من سرعته، فقال: ((ذكرت [وأنا في الصلاة] شيئاً من تِبْرٍ [3] عندنا، فكرهت أن يحبسني [وفي رواية]: أن يمسي أو يبيت عندنا، فأمرت [1] متفق عليه: البخاري، كتاب الزكاة، باب اتقوا النار ولو بشق تمرة والقليل من الصدقة، برقم 1415، وكتاب التفسير، باب {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ} ((يلمزون)): يعيبون، ((جهدهم)) طاقتهم. برقم 4668، 4669، ومسلم، كتاب الزكاة، باب الحمل بأجرة يتصدق بها، والنهي الشديد عن تنقيص المتصدق، برقم 1018. [2] شرح النووي على صحيح مسلم، 7/ 110. [3] تبر: التبر هو الذهب والفضة، قبل أن يضربا دنانير ودراهم، فإذا ضربا كانا عيناً. النهاية في غريب الحديث لابن الأثير، 1/ 179.