أدرك ذلك وشاهده وكان له أدنى علم ومعرفة، ولعل النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما ترك التفصيل خشية أن يفتتن بسببه من لم يرسخ الإيمان في قلبه كما وقع مثل ذلك في قصة الإسراء لما أخبرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه أسري به إلى بيت المقدس ورجع في ليلته؛ فأنكر ذلك المشركون، وارتد ناس ممن آمن به وصدقه، وهو - صلى الله عليه وسلم - إنما أخبرهم عن أمر خارق للعادة، وإذا كان المشركون قد أنكروا الإسراء بالنبي - صلى الله عليه وسلم - إلى بيت المقدس، فكيف لو أخبرهم أن بني آدم يصنعون في آخر الزمان مراكب تسير في البر ومراكب تسير بهم في الهواء، وتذهب من الحجاز إلى الشام وترجع في ساعتين فأقل، وأن أهل الشام ومصر والعراق والهند ونحوها من الأقطار البعيدة يسافرون من بلادهم للحج يوم عرفة فيدركون الوقوف مع الناس بعرفة، وكذلك لو أخبرهم أن أهل الأرض يتخاطبون بواسطة آلات يتخذونها كما يتخاطب أهل البيت الواحد؛ فيكلم الذي في أقصى المشرق من كان في أقصى المغرب كما يكلم الجالس عنده وبالعكس، ويستمع الإنسان إلى الألسن المختلفة في مشارق الأرض ومغاربها وهو جالس في مجلسه، ونحو ذلك مما لا تحتمله أكثر العقول البشرية دون أن ترى ذلك عيانا وتقف على حقيقته، فلو وقع الإخبار بذلك مفصلا لم تُؤمَن الفتنة على أهل الإيمان الضعيف، فكان من حكمة الشارع الحكيم أن أخبر بذلك مجملا بما أغنى مَن شاهده عن التفصيل .. والله أعلم.
الحديث السابع والأربعون: عن عبد الله بن مسعود، وأبي موسى -رضي الله عنهما- قالا: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إن بين يدي الساعة لأياما ينزل فيها الجهل،
ويرفع فيها العلم، ويكثر فيها الهرج، والهرج القتل» متفق عليه، وفي رواية