فصل
وأما القسم الثاني من المنتسبين إلى الإسلام فهم أهل البدع والأهواء الذين هم على شفا جرف هار، وقد افترقوا على ثنتين وسبعين فرقة، كما سيأتي بيان ذلك إن شاء الله تعالى.
قال شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية قدس الله روحه: المبتدع يؤول إلى الشرك، ولم يوجد مبتدع إلا وفيه نوع من الشرك كما قال تعالى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [التوبة: 31]، وكان من شركهم أنهم أحلوا لهم الحرام فأطاعوهم، وحرموا عليهم الحلال فأطاعوهم. انتهى.
وقال السدي في تفسير هذه الآية: استنصحوا الرجال، ونبذوا كتاب الله وراء ظهورهم.
قلت: وهذا هو المطابق لحال المشركين وأهل البدع والأهواء، قال الله تعالى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَاذَنْ بِهِ اللَّهُ} [الشورى: 21]، وقد أمر الله تعالى عباده المؤمنين بالجماعة، والاعتصام بحبله المتين، واتِّباع صراطه المستقيم، ونهاهم عن التفرق والاختلاف، واتِّباع سبل الشياطين، فبدَّل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم، وخالفوا ما أمرهم الله به، وارتكبوا ما نهاهم عنه، فتفرقت بهم السبل عن سبيل الله، ومالت بهم الأهواء والبدع عن صراطه المستقيم،