قلت: وبين الفلاسفة والملاحدة الباطنية تناسب وتقارب واتفاق في بعض الأمور.
وقد ذكر بعض العلماء عن ابن سينا أنه قال: كان أبي وأخي من أهل دعوة الحاكم؛ يعني العبيدي.
وذكروا عن عبيد الله بن الحسين القيرواني -جد العبيدين- أنه قال في رسالته إلى سليمان بن الحسن القرمطي: إذا ظفرت بالفلسفي فاحتفظ به، فعلى الفلاسفة معولنا، وإنَّا وإياهم مُجمعون على رد نواميس الأنبياء، وعلى القول بقِدَم العالم، لولا ما يخالفنا فيه بعضهم من أن للعالم مدبرا لا نعرفه. ورسالة عبيد الله هذه تسمى عندهم بـ"البلاغ الأكبر" و"الناموس الأعظم"، أوصى فيها القرمطي بالدعاء إلى مذهبهم الخبيث، وأمره بالاحتفاظ بإخوانهم الفلاسفة، وهذا مما يدعو كل مسلم إلى زيادة البغض للفلاسفة ومقتهم والبعد عنهم، ولكن الأمر قد انعكس في زماننا حتى صار الانتساب إلى الفلسفة مألوفا عند المسلمين، حتى عند كثير من المنتسبين إلى العلم، فإذا بالغوا في مدح العالم والثناء عليه قالوا: هو فيلسوف، وكذلك الكلام الجيد المشتمل على الحِكَم يسمونه فلسفة، ويجعلون الوصف بذلك تعظيما له وثناء عليه، وهو في الحقيقة تهجين له وعيب وذم؛ لأنه ليس للإسلام فلاسفة، وليس الفلاسفة من المسلمين، وأقل ما يقال في ذلك: إنه خلاف عرف المسلمين ولغتهم، وعدول عن ذلك إلى عرف اليونان ولغتهم، ففي ذلك نوع من التشبه بهم، وفي الحديث: «من تشبه بقوم فهو منهم» رواه الإمام أحمد، وأبو داود