أشياخه اليهود من تحريف الكلم عن مواضعه، قال الله تعالى مخبرا عنهم: {أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ} [البقرة: 75]، وقال تعالى: {يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ} [المائدة: 13]، ولما كان الله سبحانه وتعالى قد تكفل بحفظ كتابه العزيز كما في قوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9] لم يمكن جهما ولا أتباعه ولا أحدا من البشر أن يغيروا حرفا واحدا منه، اللهم إلا أن يكون حال التلاوة كما صنع ذلك الجهمي الذي حدثنا عنه صاحبنا فهذا ممكن، وكذلك تغيير بعض الآيات حال الكتابة ممكن أيضا.
وقد ذكر القاضي أبو الحسين في "الطبقات" في ترجمة حنبل بن إسحاق، قال حنبل: حججت في سنة إحدى وعشرين -يعني بعد المائتين- فرأيت في المسجد الحرام كسوة البيت الديباج وهي [تخاط [1]] في صحن المسجد، وقد كتب في الدارات ليس كمثله شيء وهو اللطيف الخبير، فلما قدمتُ سألني أبو عبد الله عن بعض الأخبار، فأخبرته بذلك، فقال أبو عبد الله: قاتله الله، الخبيث عمد إلى كتاب الله فغيَّره! يعني ابن أبي دؤاد؛ يعني أزال السميع البصير. اهـ.
قلت: مثل هذا التحريف العارض من بعض الزائغين الملحدين لا يستقر بحيث يروج على الناس، بل كل مسلم قارئ يعرف أنه تحريف من أول وهلة، فيرده ويمقت فاعله، وقد صنف بعض الأزهريين منذ سنين كتابا حافلا في
ترجمة الإمام أحمد، وذكر فضائله، وصبره على المحنة، وما أصابه في الله تعالى، [1] جاء في الأصل المخطوط (تخيط) وهو سبق قلم، والتصحيح من الطبقات 1/ 144.