وأعظم ذنب عُصي الله به، وغاية أمنية إبليس لعنه الله، ما زال يدب في هذه الأمة دبيب السم في جسد اللديغ، حتى طبق مشارق الأرض ومغاربها إلا ما شاء الله منها وهو النزر اليسير، وطغى بَحْره الأجاج على أكثر الممالك الإسلامية، حتى فر الإسلام هاربا منه إلى معاقله الأولى كما هو معلوم بالمشاهدة عند كل من فهم ودرى، وقد سرى هذا الداء العضال في هذه الأمة قديما بعد القرون الثلاثة المفضلة، وما زال شره يستطير ويزداد على ممر الأوقات، حتى عادت الجاهلية الجهلاء في أكثر الأقطار الإسلامية أعظم مما كانت عليه قبل بعثة محمد - صلى الله عليه وسلم -، ولم يسلم من غائلة هذا الداء القاتل إلا من جرَّد التوحيد لله رب العالمين، ولزم المتابعة للرسول - صلى الله عليه وسلم -، وما أقلهم في هذه الأزمان المظلمة، فالله المستعان.
وسبب هذا الشرك الذي عظمت فتنته، وتطاير شررها في جميع الآفاق هو الغلو في الصالحين ومن يُظن صلاحه، وبناء المشاهد على قبورهم، وتعظيم القبور، والأشجار، والأحجار، والعيون، والغيران وغيرها بما نهى عنه الشرع، حتى اتُخذ الكثير منها بعد طول الأمد أوثانا وطواغيت تُعبد من دون الله، ويُفعل عندها وبها من أنواع الشرك مثل [ما [1]] كان المشركون الأولون يفعلونه عند أوثانهم وطواغيتهم أو أعظم، وهذا مصداق ما تقدم ذكره من حديث ثوبان - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا تقوم الساعة حتى يلحق حي من أمتي بالمشركين وحتى تعبد فئام من أمتي الأوثان» رواه البرقاني في صحيحه بهذا اللفظ، وأصله في مسلم. [1] غير موجودة في الأصل والسياق يقتضيها.