وخير القبيلتين، فقال الله: {إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ} [الأنفال: 19]، يقول: قد نصرت ما قلتم؛ وهو محمد - صلى الله عليه وسلم -.
فتأمل أيها الموحد -وفقني الله وإياك- حال المشركين الأولين كيف كانوا يفردون الله تعالى بالخلق، والرزق، والإحياء، والإماتة، وإنزال الغيث، وإنبات النبات، وتسخير الشمس والقمر وغيرهما، وتدبير الأمور كلها، معتقدين أنه رب كل شيء ومليكه، بيده ملكوت كل شيء، وهو يجير ولا يجار عليه، وكيف كانوا يفزعون إلى الله تعالى إذا دهمتهم الشدائد، ويستغيثون به وحده، ويطلبون النصر منه، وتفريج الشدائد لا من غيره، وينسون في تلك الأحوال ما كانوا يشركون به من قبل! ثم تأمل حال مشركي زماننا، وما قبله بأزمان كيف صرفوا خصائص الربوبية والألوهية لغير الله، وكيف كانوا يفزعون إلى معبوديهم من دون الله، فيستجيرون بهم مما يخافونه، ويستغيثون بهم في جميع الملمات، ويطلبون منهم النصر، والظفر، وقضاء الحاجات، وتفريج الكربات، وإغاثة اللهفات، قد نسوا فاطر الأرض والسموات، واتخذوه [1] وراءهم ظهريا، ومع ذلك كله يدَّعون أنهم من أهل الإسلام، {أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ * اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [المجادلة: 18 - 19]، فقبَّح الله من كانت عاد الأولى وفرعون هذه الأمة وأشياعه أعلم بالله منهم وأشد له إجلالا وتعظيما، وهذا الشرك الأكبر الذي هو أظلم الظلم وأنكر المنكرات وأقبح القبائح، [1] جاء في الأصل: واتخذوهم، وهو سبق قلم، والله أعلم.