فقيل معناه: أنهم يُسلمون فيسقط عنهم الخراج، ورجّحه البيهقي.
وقيل معناه: أنهم يرجعون عن الطاعة، ولا يؤدون الخراج المضروب عليهم؛ ولهذا قال: «وعدتم من حيث بدأتم» أي رجعتم إلى ما كنتم عليه قبل ذلك، ورجّح هذا القول الحافظُ ابن كثير رحمه الله تعالى، ولم يحك الخطابي في "معالم السنن" سواه، واستشهد له ابن كثير بما رواه الإمام أحمد ومسلم من حديث أبي نضرة قال: كنا عند جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- فقال: «يوشك أهل العراق أن لا يجبى إليهم قفيز ولا درهم» قيل: من أين ذلك؟ قال: «من قبل العجم، يمنعون ذلك» ثم قال: «يوشك أهل الشام أن لا يجبى إليهم دينار ولا مدي» قيل من أين ذلك؟ قال: «من قبل الروم».
قلت: وأَصْرح من هذا ما رواه الإمام أحمد والبخاري رحمه الله تعالى في صحيحه عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: كيف أنتم إذا لم تجتبوا دينارا ولا درهما؟ فقيل له: وكيف ترى ذلك كائنا يا أبا هريرة؟ قال: إي والذي نفس أبي هريرة بيده عن قول الصادق المصدوق، قالوا: عمّ ذاك؟ قال: «تنتهك ذمة الله وذمة رسوله - صلى الله عليه وسلم - فيشد الله عز وجل قلوب أهل الذمة فيمنعون ما في أيديهم».
والذي يظهر لي في معنى قوله: «منعت العراق درهمها ..» الحديث، أن ذلك إشارة إلى ما صار إليه الأمر في زماننا وقبله بأزمان من استيلاء العجم والإفرنج ونحوهم على هذه الأمصار، وانعكاس الأمور بسبب ذلك حتى صار أهل الذمة أقوى من المسلمين وأعظم شوكة، فامتنعوا من أحكام الإسلام التي كانت تجري عليهم من قبل، وانتقض حكم الخراج وغيره،