ومما تقدم يتبين أن الحوادث المستجدة المحتاجة لحكم شرعي تُسَدُّ حاجتها ويبين حكمها بالاجتهاد الشرعي من أهله، سواء كانت المسألة نازلة في حقيقتها وصورتها، فيستأنف لها اجتهاد خاص بها، أو كانت المسألة نازلة في صورتها أو في بعض الأحوال الطارئة عليها، فيستدعي ذلك تغيير الاجتهاد الأول في أصل المسألة ليوافق حالها الحادثة.
ولذا فإن للنّوازل أثرًا جَليًّا في تغيير الاجتهاد وتجديده، وذلك بإيجاب بذل الاجتهاد من المجتهدين لملاقاة تلك النوازل بالأحكام الشرعية؛ لئلا يترك الناس بلا بيان فيقعوا في المحظور، كما قال الشّاطبي [1]: "إن الوقائع في الوجود لا تنحصر، فلا يصح دخولها تحت الأدلة المنحصرة؛ لذلك احتيج إلى فتح باب الاجتهاد في القياس وغيره، فلا بد من حدوث وقائع لا تكون منصوصًا على حكمها، ولا يوجد للأولين فيها اجتهاد، وعند ذلك فإما أن يُترك الناس فيها مع أهوائهم أو ينظر فيها بغير اجتهاد شرعي، وهو اتباع للهوى، وذلك كله فساد" [2].
فهذا كله من الأسباب التي تؤدي إلى تغيير الاجتهاد في الأحكام الشرعية، وكذلك قد يتغير الاجتهاد بتغير موجب الحكم. [1] الشاطبي: هو أَبو إسحاق إبراهيم بن موسى الغرناطي الشهير بالشاطبي، من كبار فقهاء المالكية المحققين، وهو فقيه أصولي متبحر وكتبه تشهد له، ومن أشهرها: الموافقات، والاعتصام وغيرها، توفي في سنة 790 هـ[ينظر: الفتح المبين في طبقات الأصوليين للمراغي الجزء الثاني (ص 204)، نيل الابتهاج بتطريز الديباج (ص 48 - 52)]. [2] الموافقات 4/ 104.