من الزيغ والزلل، ويهدينا إلى أوضح السبل بمنه وكرمه، وبَعد أن استخرنا اللَّه -تعالى- وسألناه التوفيق والهدى، ومجانبة الرياء واتباع الهدى، فإنا لما تدبرنا ما وقفنا عليه من كتب العلماء وتصانيف الفضلاء من علماء الشريعة المطهرة -على اختلاف أغراضهم وآرائهم، وتباين مقاصدهم وأهوائهم، وتشعب مباغيهم وأنحائهم- وجدناهم بين مطيل ومقصد، ومقلّ ومكثر، ومُقتصر على نوع من العلم الذي قصد إليه، واقف عند فن من الغرض الذي حافظ عليه، ولكل منهم غرض حسَّنه رأيُه لديه، ووقفنا على بعض كتب من تصدي منهم لشرح أحاديث الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وآثار الصحابة -رضي اللَّه عنهم- وسمعنا بعضًا فرأيناها -كما قلنا- مختلفة الأوضاع والمقاصد، غير متفقة المصادر والموارد، ورأينا كلًّا منهم قد شرح أحاديث وترك غَيْرها، فأول من دوّن شرح الأحاديث أبو عُبيْدة: مَعْمرُ بْنُ الُمثنى [1]، جمع أحاديث يسيرة شرح ما فيها من غريب ثم قفى أثره أبو عبيد القاسم بن سَلَّام [2] فزاد عليه فيما شرحه وجمع أحاديث كثيرة وشرحها وأخذ على أبي عبيدة بعض ما شرحه، وبسط القول في كتابه وبه اقتدى الناس بعده، وعلى كتابه بنوا، وكان أبو عبيْد ثقة عالماً عارفاً بما يرويه وما يقوله ثم جاء من بعده: أبو محمد عبد اللَّه بن مسلم بن قتيبة فجمع أحاديث [1] هو الإمام النَّحوى صاحب التصانيف.
قال الإمام الذهبي: كان هذا المرء من بحور العلم، ومع ذلك لم يكن بالماهر بكتاب اللَّه ولا العارف بسنة رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، ولا البصير بالفقه واختلاف أئمة الاجتهاد، بلى وكان معافىّ في معرفة حكمة الأوائل والمنطق وأقسام الفلسفة وله نظر في المعقول. سير أعلام النبلاء (9/ 447) قلت: وذكره البخاري في صحيحه في مواضع سماه في بعضها وكناه في الأخرى. وقال الحافظ في التقريب: صدوق أخباري وقد رُمِىَ برأى الخوارج. [2] هو الإمام المفسر اللغوي، وهو من أحسن من صنف في الغريب؛ له كتاب (الغريب المصنف) لم يطبع وقد صنفه في أربعين سنة؛ وكتابه (غريب الحديث) ذكره بأسانيده فرغب فيه أهل الحديث، وقد قالوا: إن اللَّه أيد هذه الأمة بجماعة منهم أبو عبيد: فسر الغريب من الحديث، ولولا ذلك لاقتحم الناس في الخطأ. وانظر السير (10/ 490).