قال الله عَزَّ وَجَلَّ (ورَحْمَتِي وسِعَتْ كُلَّ شَيء) [1] فحيث حصر الرحمة له وللنبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: لقد ضَيَّقْتَ الواسِعَ، وناحية المكان: جانبه.
"والذَّنُوب": قد ذُكِرَ، "والسَّجْلُ": الدَّلْو العظيمة إذا كان فيها ماء قَلَّ أو كَثُرَ، ولا يقال لها -وهي فارغة -: سجل، كما لا يقال للدلو -وهي فارغة-: ذنوب، والسَّجْلُ مذكر، جمعه سِجَال.
و"اليُسْرُ": ضد العسر، كالسعة والضيق، والرفق والعنف، المراد عَلِّمُوهم ما يلزمهم من أمور دينهم، وسهِّلوا عليهم، واسلكوا طريق الرفق في التعليم: ولا تشددوا عليهم، وتَلْقَّوْهُمْ بما يكرهون، فينفروا من قَبُولِ الدِّينِ، واتباعِ الهدى.
"ومُيَسِّرين ومُعَسِّرِين": منصوبان على الحال من الضمير في "بُعِثْتُمْ"، والواو في قوله "ويسروا ولا تعسروا" واو الحال أي: عَلِّمُوا وحالتكم في التعليم اليسر لا العسر، ويشهد بصحة ذلك الرواية الأخرى "فإنما بعثتم ميسرين لا معسرين".
وإضافة السَّجْلِ إلى الماء في قوله؛ "سَجْلَ مَاءٍ" إضافة بمعنى "من" بدليل ظهورها في الرواية الأخرى، في قوله: "سَجْلًا مِنْ ماءٍ".
وإنما جازت هذه الإضافة -وإن كان السَّجْلُ ليس من ماء- لأن السَّجْلَ والذَّنُوبَ لا يسمِّيان بهذا الاسم إلا إذا كان فيهما ماء، فإذا لم يكن فيهما ماء فليس بَسجْلٍ ولا ذَنُوبٍ، فلما تخصصت التسمية بوجود الماء فيهما ولزومه لهما، صارا كأنهما من الماء وبعض الماء.
"فَعَجَلَ الناس": يعني أطلقوا ألسنتهم في ذَمِّهِ وشتمه، وأيديهم في ضربه، كأنهم قد أخذوا من قولك: تناولت الشيء، إذا أخذته بيدك، ووقعت بفلان: إذا ذممته وشتمته، وما في هذا الحديث من الفقه قد تقدم في حديث أنس قبل هذا. [1] الأعراف: [156].