والقول الثاني:
أن هذا إنما يكون فيمن سلَّم من اثنتين خاصة دون غيره وإلى هذا صغى سحنون [2].
القول الثالث:
أن معنى هذا الحديث كله مسترسل على الأزمان، عام في جميع الأقوال والأفعال، وهو المشهور من قول علمائنا، رضي الله عنهم، وبه [3] قال (ش) وعامة العلماء [4].
أما اختيار المدنيين أنه منسوخ فقول باطل لأن من شروط النسخ معرفة التاريخيْن وقد جهلت ههنا [5]؛ لأن الكلام المنهى عنه هو المطلق وهذا كلام في إصلاح الصلاة لا بدّ لها منه، ولا تتم دونه، وأما اختيار سحنون فهو ضعيف لأن النبيّ، - صلى الله عليه وسلم -، قد جرى له ذلك في [1] قال ابن عبد البر روى ابن وضاح عن الحارث بن مسكين قال: أصحاب مالك كلهم على خلاف ما رواه ابن القاسم عن مالك في مسألة في اليدين، ولم يقل بقوله إلا ابن القاسم وحده وغيره يأبونه ويقولون إنما كان ذلك في أول الإِسلام، وأما الآن فقد عرف الناس الصلاة فمن تكلّم فيها أعادها. إلى أن قال: وأما الكوفيون. أبو حنيفة وأصحابه والثوري، فذهبوا إلى أن الكلام في الصلاة على كل حال سواء كان سهواً أو عمداً، لصلاح كان أو لغير ذلك، يفسد الصلاة.
وزعم أصحاب أبي حنيفة أن حديث ذي اليدين منسوخ بحديث زيد بن أرقم وابن مسعود. ثم قال: أمّا ما أدعاه العراقيون من أن حديث أبي هريرة منسوخ بحديث ابن مسعود وزيد بن أرقم فغير مسلم لهم، ولكنه أختص من تحريم الكلام معنى ما تضمنه لأن حديث أبي هريرة كان عام خيبر هذا ما لا خلاف بين العلماء فيه فإن قيل كيف يصح الاحتجاج بحديث ابن مسعود في تحريم الكلام في الصلاة بمكة وزيد بن أرقم رجل من الأنصار يقول كنا نتكلم في الصلاة يكلم الرجل صاحبه حتى نزلت {وَقُومُوا للهِ قَانِتِينَ}. قال أبو عمر: زيد ابن أرقم أنصاري وسورة البقرة مدنية. الاستذكار 2/ 223 - 229.
وقال البغوي: حدوث هذا الأمر إنما كان بالمدينة لأن راويه أبو هُرَيْرَة وهو متأخر الإِسلام وقد رواه عِمران ابن حصين وهجرته منكرة. شرح السنة 3/ 295. [2] هذا القول حكاه عنه ابن عبد البر في الاستذكار وذكر أنه رواه سحنون عن ابن القاسم عن مالك. الاستذكار 2/ 221 - 222، وانظر نيل الأوطار 3/ 134. [3] قال ابن عبد البر قال الشافعي وأصحابه وسائر أصحاب مالك إن المصلي إذا تعمَّد الكلام وهو في الصلاة عالماً أنه لم يتمّها فقد فسدت صلاته، فإن تكلم ساهياً أو تكلم وهو يظن أنه قد أكمل صلاته وأنه ليس في صلاة عند نفسه فهذا يبني ولا يفسد عليه كلامه صلاته. الاستذكار 2/ 225. [4] انظر مذهب الشافعي في روضة الطالبين للنووي 1/ 315، وشرح النووي على مسلم 5/ 56، وحاشية الشرقاوي على تحفة الطلاب 1/ 316. [5] في (ك) و (م)، و (ص) زيادة من شروطه تضاد الأمرين حتى لا يصح أن يجتمعا ولا مضادة ههنا.
نام کتاب : القبس في شرح موطأ مالك بن أنس نویسنده : ابن العربي جلد : 1 صفحه : 247