دلالة على أن الجماعة مأمورون بالأذان وإن لم يكونوا في مسجد. وفيه دلالة أيضاً على أن الأذان ليس بمستحق للأفضل. ويحتمل أن يكون الفرق بين الأذان والإِمامة [142] أن القصد من الأذان الإِسماع. وذلك متأت من غير الأفضل كَتَتأتِيه من الأفضل بل ربما كان الأنقص فضلاً أرفع صوتاً.
وقد قال - صلى الله عليه وسلم - في حديث آخر: "فاطلبوا لي أنداكم صوتا" وهو هاهنا بمعنى أبلغ في الإِسماع. قال الشاعر: [الوافر]
فقلتُ: ادْعى وَأدعو إن أندى ... لِصوت أنْ يُنَادِيَ دَاعِيان
وأما أمره - صلى الله عليه وسلم - أن يؤم أكبر فنحمله على أنهم يتساوون [143] فيما سوى السن من الفضائل المعتبرة في الإِمامة بدليل قوله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الآخر: "يؤم القوم أفقههم" [144]. وتقديم الأفقه عندنا أولى ثم القاري بعده ثم بعد ذلك فضيلة السن، وعند أبى حنيفة: أن القاري أولى من الأفقه. وحجتنا عليه قول النبيء - صلى الله عليه وسلم - "أفقههم" ولأن الحاجة تمس إلى الفقه في الصلاة أكثر من الحاجة إلى معرفة وجوهِ القراءات فإن احتج بقوله عليه السلام في حديث آخر: "يؤم القوم أقرأهم" [145] قلنا فإن أصحابنا تأولوه على أن الأقرأ هاهنا هو [الأفقه] [146] لأن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يتفقهون من القرآن فأكثرهم قرآنا أكثرهم فقها.
271 - ذكر في حديث الوادي: "أن النبيء - صلى الله عليه وسلم - نَامَ" (ص 471).
قال الشيخ -وفقه الله-: إن قيل: ما معنى قوله في الحديث الآخر: [142] في (ج) "والاقامة" وهو تحريف. [143] في (ج) "متساوون". [144] أخرجه: مسلم بلفظ: "يؤم القوم أقرؤهم". [145] أخرجه مسلم ص 465. [146] موضع "الأفقه" خرم في (أ).