وهذا ما أبداه ابن الأثير في الذي وقر في نفوس صنهاجة منذ التحامهم بالفاطميين فذكر: "أن بلكَّين بن زيري قصد محمد بن حسين الزناتي، وقد خرج عن طاعة المعز، وكثر جمعه وعظم شأنه فظفر به يوسف بلكين، وأكثر القتل في أصحابه، فسر المعز بذلك سرورا عظيما لأنه كان يريد أن يستخلف يوسف بلكين على الغرب لقوته وكثره أتباعه، وكان يخاف أن يتغلب على البلاد بعد مسيره عنها إلى مصر فلما استحكمت الوحشة بينه وبين زناتة أمن تغلبه على البلاد" [32].
وكرر ابن الأثير هذا بعد ذلك: "ثم إن يوسف بلكين جمع فأكثر وقصد زناتة وأكثر القتل فيهم وسبى نساءهم وغنم أولادهم، وأمر أن تجعل القدور على رؤوس قتلاهم، ويطبخ فيها، ولما سمع المعز بذلك سره أيضاً وزاد في إقطاع بلكين المسيلة وأعمالها" [33].
فالانتفاضة بعثت في نفس المعز الصنهاجي ما دار في خلد أجداده منذ القدم وهو الأنفة من التبعية للفاطميين وكأنهم يرونهم غير أهل للخلافة لقيام الدولة العباسية التي تمثلت فيها الخلافة منذ انقراض الدولة الأموية.
وكما جعل غضب الأفارقة المعز الضنهاجي يفكر في التخلص من التبعية أولاً جعله كذلك ثانياً يرمي إلى محو دعوتهم من الديار الإِفريقية. لأنه رأى أن الفاطميين منذ تأسست دولتهم وهم في صراع مع علماء إفريقية وعامة رجالها، فقد تذرعوا بكل الوسائل حتى تتمكن دعوتهم من النفوس فتنوعوا في وسائلهم بين ترغيب وترهيب، وإقناع، فقامت المناظرات بين رجالهم الداعين لمذهبهم، وبين علماء السنة، فما أجدى شيء من ذلك.
ويدل على قلة الداخلين في دعوتهم أن الانتفاضات النابعة في المدن [32] الكامل لابن الأثير عز الدين الجزري ج7 ص47. [33] المصدر نفسه ج7 ص47.