فالغزالي عند المازري صورة من آراء الموحدين مع الفلاسفة والمتصوفة فهو متأثر بكل ذلك يدور في فلكهم، ويقتبس من أولئك وأولئك. وبالطبع أن يتأثر الشخص بما يقف عليه ويدرسه فإنه وإن حاول التخلص من ذلك فإنه لا يستطيع أن يخلص نفسه منه كله إذ تعلق فكره بالبعض لا مناص منه، وترقى المازري فذكر أن الغزالي متأثر برسائل إخوان الصفاء وابن سينا، وقد نازعه السبكي نافياً تأثره بذلك.
وتحليله هذا لصاحب الإِحياء قد أنصف في بعضه وكان غير ناظر إليه بالعين التي ينبغي أن ينظر بها إليه في البعض الآخر، وذلك في اتهامه الأخير بأنه متأثر بإخوان الصفاء مع أنه بعيد عنهم كل البعد.
بين المازري والسبكي:
أراد التاج السبكي أن ينتصر للغزالي برد كلام المترجم مع الطرطوشي حيث إن كلا منهما انتقد الإِحياء وصدَّر ردَّه بأنهما إنما حملا على الغزالي وكذلك الإِمام الجويني صاحب البرهان لأن هذين الأخيرين قد بلغا في العلم والدقة فيه منزلة عظيمة فربما خالفا الأشعري في آرائه والمغاربة ومنهم الطرطوشي والمازري لا يقبلان نقداً في آراء الأشعري، ولا يرون مخالفة أبي الحسن الأشعري في نقير ولا قطمير.
ثم إن المذكورين ضعفا مذهب مالك في كثير من المسائل كما فعلا في مسألة المصالح المرسلة كذلك ضعفاه عند ذكر الترجيح بين المذاهب فعند التاج السبكي أن هذين الأمرين نفرا المازري بالخصوص منهما فنقدهما وبالأخص الغزالي.
فالتاج السبكى يُرجع انتقاد المازري للغزالي إلى المخالفة المذهبية في الأحكام حيث إن الأول مالكي والثاني شافعي وهو يضعف مذهب مالك، فلذا حمل عليه بهما أن الأول شديد في أشعريته بينما الثاني يخالفه في بعض النظريات.