الأعمال لا يحبطها شيء غير الكفر، وأما مع وجود الإِيمان فالأعمال متقبلة وإنما تختلف باختلاف الإِخلاص، والقيام بالصالحات على الوجه الأتم.
ولأهمية هذه المسألة التي ينبني عليها أمر جليل وهو أن هؤلاء المعتزلة من المسلمين أو غيرهم شارك فيها علم تونس وهو الأبي في إكمال الإِكمال معلقاً على كلام القاضي ومؤيداً للإِمام في رأيه وفي تعليقه ويبدو أنه يقتبس من سعة صدر صاحب المعلم في عدم التغالي في الرد على المخالفين.
وكان الأُبي في تعليقه على النقاشين من القاضي مركزاً بحثه على أصول مسلّمة بين فكرية ونقلية.
أما تعليقه علي النقاش الأول فهو أن كلام ابن عمر لا يدل على تكفير القدرية لأنه لم يحكم عليهم بإحباط أعمالهم، وإنما قصارى ما أخبر به أنهم لا تقبل أعمالهم وفرق بين عدم قبول العمل، وإحباط العمل، لأن القبول أخص من الصحة فإذا لم يكن هناك قبول للعمل فقد يصح فإذا كان كذلك لم يصر عدم القبول إحباطاً. ومعنى كون القبول أخص أنه عبارة عن حصول الثواب على الفعل، والصحة عبارة عن سقوط القضاء.
وتعمق الأُبي في بحثه هذا فأشار إلى أنّ تعليقه هذا لا ترد عليه الآية الكريمة وهي: {وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ} التوبة (54)، لأنها إنما تدل على أن الكفر دليل على عدم قبول العمل من صاحبه. وهذا ليس محل النزاع، وإنما النزاع في كون عدم القبول دليلاً على الكفر، وهذا هو محل النزاع، والآية لا تدل عليه.
وأما تعليقه على النقاش الثاني وهو أن الخلاف في تكفير المعتزلة إنما بالنسبة لمعتزلة اليوم لا القدرية الأولى منهم، فإنه رد عليه بكلام الآمدي وهو من عُمد علم الكلام بأن الخلاف في أهل الأهواء مطلقاً دون تخصيص بأولى وثانية.