لكل وجهة:
والتحقيق أن صاحب المعلم نظر إلى المعتزلة الذين هم معتزلة اليوم -أي في عصره- وصاحب الإِكمال لم يقصر نظره على المعتزلة المتأخرين بل عمَّم النظر وقسمهم على حسب عصورهم وذلك هو المعروف كما حققه أحد المتأخرين من الكاتبين في علم الكلام فذكر: أن المعتزلة هم القدرية، وهم قدريتان:
الأولى: وهي التي تنكر سبق علمه تعالى بالأشياء قبل وجودها وتزعم أن الله تعالى لم يقدر الأمور أزلاً، ولم يتقدم علمه تعالى بها، وإنما يأتنفها علماً حال وقوعها، وهؤلاء انقرضوا قبل ظهور الشافعي [118].
فهؤلاء هم الذين يقولون: إن الأمر أنف، يستأنف الله علمه حال وقوعه وهم الذين يسمون بالقدرية. وتسميتهم بالقدرية قد سبق إليها الحديث النبوي وقد طبّقه عليهم أهل السنة. وإنما سموا قدرية أنهم بالغوا في نفيه، وجعلوا ذلك ديدنهم وهم الذين أثاروا هذه البدعة، فهم حريون بأنهم هم القدريون وإن كانوا لا يثبتونه لله سبحانه وتعالى وينفونه ولا يقولون به، ثم إن هناك وجهاً آخر في تسميتهم بذلك، وهو أنهم يثبتون القدر لأنفسهم فهم أحق بهذه التسمية.
وأطلق عليهم اسم "القدرية الأولى" تمييزاً لهم عن الطائفة الأخرى من المعتزلة الذين لم يشاركوهم في قولهم إن الأمر أنف.
والطائفة الأخرى من المعتزلة: هم الذين أطلقوا على أن الله تعالى عالم بأفعال العباد قبل وقوعها ولكنهم خالفوا السلف فزعموا أن أفعال العباد [118] إتحاف المزيد لعبد السلام بن إبراهيم اللقاني (ص 166).